مليون لاجئ سوري بلبنان: ليسوا أرقاما.. كلّ رقم حكاية

لاجئين سوريين
على هامش ارتفاع عدد اللّاجئين السوريين في لبنان إلى مليون بحسب إحصاءات الأمم المتّحدة، هو أنّ وراء كلّ رقم حكاية وأنّ الإنسان ليس مجرّد رقم. ليست هذه طوباوية إنسانية ولكن من المؤسف أن يكون الخبر الرئيسي هو ارتفاع العدد فقط من دون أيّ معالجة فعلية للأزمة.هم بشر لديهم أحلام وآمال وآلام وطموحات وأفكار. لديهم حاضر وماضي وذاكرة. لنحاول أن نتذكّر ذلك عند تعدادهم.

أسوأ ما تفعله الحروب والأزمات في الإنسان هي أنّها تحوّله إلى مجرّد رقم. حتّى المساعدات الغذائية والطبية تصبح عبارة عن تعداد بشري. يجرّد المرء من اسمه في غمار الموت والدمار، الأمر الّذي ليس أكثر من انعكاس لتجريده من كيانه وقيمته كشخص. وتبقى قلّة ضئيلة جداً من وجوه الضحايا محفورة في الذاكرة.
يتضح لنا أنّ كلّ ما تعلّمناه عن حقوق الإنسان وكلّ الحكايات الشعرية والمرثيات في قيمتنا كبشر كانت مجرّد عبارات ومواضيع إنشاء كي لا أقول مجرّد أوهام. بالطبع نحن نعرف من قبل هذا الهوان الّذي تلحقه البشرية والسلطات بأبنائها ولكنّنا لم نكن نعرف أنّ الأمور على هذه الدرجة من السوء.
تثير الحروب فينا الكثير من التساؤلات، عمّا إذا كان الإنسان فعلاً كائناً مميّزاً خلقه الله وخصّه بنعم كثيرة أبرزها العقل أو إن كان الإنسان مجرّد حجر في لعبة شطرنج أو حتّى وسيلة للطبيعة لتعيد ترتيب أمورها بدينامية أخرى أو إن كان طمع الإنسان وشرّه هو المسؤول عن مصابه ولن أخوض هنا المسألة الدينية والمسألة الوجوية لأنّها شائكة وملتبسة بالنسبة لي.
ما أريد أن أقوله، على هامش ارتفاع عدد اللّاجئين السوريين في لبنان إلى مليون بحسب إحصاءات الأمم المتّحدة، هو أنّ وراء كلّ رقم حكاية وأنّ الإنسان ليس مجرّد رقم. ليست هذه طوباوية إنسانية ولكن من المؤسف أن يكون الخبر الرئيسي هو ارتفاع العدد فقط من دون أيّ معالجة فعلية للأزمة.
لقد كان للبنان الحصّة الأكبر من اللّاجئين لأنّ دولته ضعيفة وغير منظّمة ولم يجد استراتيجة تخوّله التعامل مع أزمة الجار على أيّ من الصعد. هذا ليس بأمر جديد على لبنان “المكشوف”. وقد أتى وسط تخلّ دولية وعربي من مشاركة المسؤولية تجاه الشعب السوري الّذي لم يختر أن يكون مهجّراً.
هم مليون وربما يكونون أكثر ولكن المسألة ليست مسألة عدد. وراء كلّ شخص نزح من سوريا حكاية حياة، حكاية رجال قضوا تحت القصف وأطفال فقدوا أمانهم ومنازلهم وتعليمهم. هناك طفلة لن ترى لعبتها المفضّلة مرّة أخرى وعائلة لا تعرف مصير أحد أفرادها وامرأة فقدت خصوصيتها ومنزلها ووجدت نفسها في خيمة. هناك طفل هرب بفردة حذاء واحدة ناسياً الأخرى ومسنّ وجد المنزل الذي عمل طوال حياته لتشييده ينهدّ على الأرض. هناك نساء صرن يبعن أجسادهن بحثاً عن لقمة العيش ورجال كسرتهم أعباء الحياة وأشخاص كثر يشعرون أنّهم وحدهم في مواجهة المجهول.
في زيارتها الأخيرة إلى لبنان، صوّرت أنجلينا جولي فيلما قصيرا مع عائلة سورية فقدت الأمّ. الزوج كان يعاني من مشاكل نفسية فيما الأبناء يتعاونون على تجميع قطع صالحة للبيع من القمامة. الابنة التي يكاد عمرها لا يتجاوز العشر سنوات تحوّلت إلى سند للعائلة، لوالدها وإخوتها. في مخيّم للاجئين في العراق، هناك فتاة عمرها ستة عشر عاماً ولديها موهبة في الكتابة ولكنّها وجدت نفسها بلا مدرسة. حكايات كثيرة على هامش القهر ستنتج في نهاية المطاف جيلاً مختلفاً وربما جيلاً قوياً لأنّ الإنسان الصلب يولد من المحن.
هم بشر لديهم أحلام وآمال وآلام وطموحات وأفكار. لديهم حاضر وماضي وذاكرة. لنحاول أن نتذكّر ذلك عند تعدادهم

السابق
إسبانيا تعلق تصدير معدات مكافحة الشغب إلى حكومة فنزويلا
التالي
نهاد المشنوق: لم يعد هناك أية حواجز غير رسمية على طريق عرسال