مطرقة بري أنتجت 21 قانوناً

كل الاهمال تكشف أمس عند أول استحقاق اشتراعي لمجلس النواب الممدّد له. ثلاثة اعتصامات، يليها الرابع اليوم، كبلّت البرلمان في ساحة النجمة، ليس فقط بالتدابير الامنية انما بانكشاف عجزه عن ملامسة هموم اللبنانيين، في لقمة عيشهم او في حياتهم.

فقضية المياومين اعيدت الى “مقبرة” التأجيل، ولو لـ24 ساعة، في المبدأ. وقانون الايجارات اقرّ رغم اعتراض تجمع المستأجرين، فكان كالقنبلة التي انفجرت. وقانون العنف الاسري صدّق، في عشر دقائق، رغم اعتراض جمعية “كفى”.

ولعلّ عبارة رئيس مجلس النواب نبيه بري تلّخص الواقع: البلد “يستحيل ان يصل الى نتيجة بروحية كهذه”.

واذا كان بري شدد اكثر من مرة خلال الجلسة الاشتراعية العامة، على ان “المجلس لا يشرّع تحت التهديد”، فان البرلمان وجد نفسه امس امام ضغوط عدة في كل قانون حيوي، بحيث لم تكن اللعبة سهلة في قانون الايجارات مثلاً، او في قانون العنف الاسري في حضور وفد من جمعية “كفى”، لم يعط بري مجالا للنقاش في قانون العنف، اكثر من دقائق معدودة. فلا النائب سيمون ابي رميا اكمل فكرته حين بدأ بامكان طرح تعديلات ” كفى” على مشروع القانون، ولا النائب ايلي كيروز أعطي الكلام. فكانت النتيجة، اقرار القانون سريعا خوفا من نسفه كلّه، في حال الاستفاضة في النقاش.
هذا الاعتراض “القواتي” والعوني تجلّى خارج الجلسة العامة، حين وزعت كتلة نواب “القوات اللبنانية” ملاحظاتها على المشروع، معتبرة ان “اقرار القانون يمثل انتصارا كبيرا للمرأة، غير ان فرحتنا تبقى غير مكتملة، لان هناك نقطتين ينبغي تعديلهما، الاولى تتعلق باسم المشروع وحصره بحماية المرأة من العنف، لان المرأة تعنّف اكثر من غيرها، وبالتالي فإن حالات القتل التي اودت بحياة رلى يعقوب ومنال عاصي وكريستال ابو شقرا وفاطمة النشار ورقية منذر على ايدي ازواجهن، اصابت المرأة اللبنانية بجرح بالغ. والثانية، تتعلق باغتصاب الزوج للزوجة، بحيث ينبغي تجريم الاغتصاب في ذاته، فيما مشروع القانون كما هو وارد يجرّم افعال الضرب والايذاء والتهديد”.
كذلك اعتبر ابي رميا ان ما أقرّ ناقص، ولا بد من استكماله بالتعديلات.

نحو سبعة تعديلات طالبت بها “كفى” لم يمر أي منها، وغالبيتها تتعلق بـ”الاغتصاب الزوجي”. اما النائب سامي الجميل فقد عاكس هذه الاجواء، معتبرا ان ” ما تحقق خطوة اولى ومهمة، ونحن نهنىء المرأة باقرار القانون اليوم، ويمكن لاحقا ان نطورّه اكثر. انما لو خضنا اليوم في نقاش طويل، لكان القانون برمته طار”.

داخل القاعة، المتكلّم الوحيد في قانون العنف كان النائب علي عمار. الجميع ينصت. كان لافتا ان يتحدث عصو كتلة “الوفاء للمقاومة” عن المرأة. قال عمار: “يقولون ان المرأة نصف المجتمع، وانا اقول انها امّ المجتمع. انما لجنتنا الفرعية تعرّضت لعنف فيه من التشهير ما يكفي، اذ وضعت صورنا على كل وسائل النقل التي تجول المناطق، وصورت سمير الجسر وجيلبيرت زوين وميشال الحلو وانا، وكأننا مجرمون، واضافوا الى ذلك ما نشر في الجريدة الرسمية من ان هناك من وقع المشروع، ومن لم يوقع. نحن مع هذا المشروع، وكل ما ناقشناه داخل اللجنة كان استحضارا للدستور، وربما في المرة المقبلة، على الهيئات المدنية اعداد اقتراح قانون يمنع محاربة العنف ضد الرجال”.

هكذا، مرّ القانون. وبقيت الاعتراضات في الخارج، وكانت البصمة “الحمراء” من جمعية “كفى” على وجوه النواب بدل البصمة الزرقاء التي ستعطى لهم في الانتخابات.

المياومون وضياع النواب
من أول البنود نقاشا، اقتراح قانون معجل مكرر لملء المراكز الشاغرة في كهرباء لبنان من طريق مباراة محصورة بالعمال غب الطلب وجباة الاكراء. ضاع النواب بين القانون القديم والجديد. فيما كان المياومون لا يزالون معتصمين في الخارج. لم يكن امام النواب سوى الاقتراح القديم. فطلب بري طباعة الاقتراح الجديد وتوزيعه. انما المفارقة الكبرى اننا بتنا امام اقتراحين، الاول قديم والثاني أتي نتيحة تسوية اعدّها النواب ابرهيم كنعان وعلي عمار وعلي بزي.

إنه بلد العجائب. فاقتراح القانون سبق وصوّت عليه عام 2012، من دون ان يسجل في المحضر، وحينها اعترض بعض النواب، ومنهم الجميل، على طريقة التصويت.
ومنذ ذلك الحين، ارتفعت اصوات المياومين مجدداً. وبدأت التسوية، التي أفضت الى الاقتراح المدرج اليوم في جدول الاعمال.

امام هذا الواقع، لم يكن امام النواب الا الخروج من هذه المعضلة. فكيف سيناقشون قانونا جديدا، فيما القانون القديم تمّ التصويت عليه؟ هذا ما اثاره النائب محمد قباني. ولاقاه بري بالقول: ” هذا الامر صحيح. انما قيل ان رئاسة المجلس “سلقت” الموضوع. لذلك، لا بد من اعادة تصويب الامر”.

عندها اشار كنعان الى “ضرورة ان يقوم مجلس الخدمة المدنية بالمباراة، لا ان يشرف عليها، كما يطلب المياومون”، ولاقاه النائب جورج عدوان معتبرا ان ” هناك نقطتين ينبغي الاهتمام بهما، الملاك والمباراة في مجلس الخدمة المدنية”.

وأمام اللفّ والدوران، اقترح عدوان تأليف لجنة تضمه الى النواب كنعان والجميل وعمار وبزي وقباني ووزيري العمل والطاقة، وإمهالها 24 ساعة لاعادة درس الموضوع. فوافق بري. كان يتردد ان يعود النواب الى الاقتراح في جلسة المساء. لكن اللجنة لم تكن قد توصلت الى اي تسوية. وعلمت ” النهار” ان الخلاف لا يزال قائما حول اشكالية ذكر كل الدوائر. وأكدت اوساط من كتلة “التنمية والتحرير” لـ”النهار” ان ” قضية المياومين ستطرح في جلسة غد (اليوم)، سواء تم التوصل الى تسوية أو لا”.

قنبلة الايجارات
… الى الايجارات. المعضلة القديمة – الجديدة في هذا الملف، بدت لافتة مداخلة النائب نديم الجميل، إذ عرض الموضوع من كل جوانبه، ومن جهة المالكين والمستأجرين، فرأى ان “السلطة قصّرت في هذا الموضوع، وعليها أن تتحمل المسؤولية أكثر مما هو وارد في مشروع القانون، لناحية تأمين الصندوق. ونتمنى من الحكومة العمل على سياسة اسكانية شاملة، على ان تنشىء ايضا مساكن شعبية، ولا سيما في المناطق ذات الكثافة السكانية”.

وسأل: ” هل ستضمن الدولة تأمين الايرادات المطلوبة للمستأجرين والمالكين خلال المدة المحددة، اما اننا سنكون امام قانون بلا واردات؟”.
يا للأسف، مداخلة الجميل لم تحظ باهتمام النواب. معظمهم كانوا قد غفوا. والبعض الآخر، اكتفى بقراءة جدول الأعمال، للمرة الاولى ربما! فيما اكتفت زوين بوضع لائحة الاقتراحات الـ70 أمامها، ولم تخرجها حتى من المغلّف الاسمر الكبير.

كان مشوار قانون الايجارات لم ينته بعد. نحو ساعة استغرق النقاش. بعض الوزراء غادر، وقلّة واظبت، في مقدّمها، وزير التربية الياس بو صعب، الذي لم يغادر الجلستين الصباحية والمسائية.
وكانت مداخلات النواب تتوالى. النائب مروان حماده دعا الى “اقرار القانون سريعا، لان المسألة باتت كابريق الزيت”.

النائب زياد القادري سأل: “من اين نأتي بالايرادات، فاذا كانت سلسلة الرتب والرواتب كلّها تغرق في ازمة التمويل، كيف نحل اليوم مسألة الايجارات؟”.
النائبان روبير غانم وكنعان طالبا باقرار القانون، وشدد النائب نعمة الله ابي نصر على “ضرورة امراره، لانه منصف للمالك والمستأجر معا، ولا سيما ان اكثر من 39 جلسة عقدتها لجنة الادارة والعدل، وبالتالي هي درست المشروع من كل جوانبه”.

واستفاض النائب الوليد سكرية قائلا: “منذ 1992 لم تتجرأ اي حكومة على بت هذا الامر. هناك 140 الف مستأجر بحسب مصرف الاسكان، ومئة الف لا قدرة لهم على الاستفادة من القرض الاسكاني، وبالتالي فاننا امام مأزق كبير، ولا بد من اعادة درس الموضوع”.

بعد هذا الجدل، اختار رئيس الحكومة تمام سلام الكلام، فحرص على الهمّ المالي مؤكدا ان “البلد كله ينتظر المشروع، ولكن هناك ملاحظة عند وزير المال تتعلق بالصندوق وبمشكلة بالتمويل، لاننا اذا رفعنا السقف فسنواجه حتما اعباء كبيرة”.
وتلاه وزير المال علي حسن خليل، عارضا مشكلة تمويل الصندوق من موازنة الدولة، فسارع احد النواب الى القول: “لا، انه يتغذّى من الهبات والتبرّعات”. وضاعت البوصلة مجدداً.
هذا التخوّف لم يأخذ مداه، اذ سرعان ما صادق مجلس النواب على مشروع القانون، كما هو، ضاربا عرض الحائط اعتراضات “تجمع المستأجرين” وجمعية المالكين القدامى، فانفجرت “القنبلة”.
والمعلوم ان المشروع يقضي بأن يعود البيت الى المالك، بعد تسع سنوات، ويحق للمستأجر خلال هذه الفترة، ان يستفيد من اموال الصندوق اذا اراد الاحتفاظ بالبيت، فيشتريه، على شكل قرض يمنحه اياه الصندوق، او ان يترك البيت، فتدفع له قيمة بسيطة هي عبارة عن تعويض، اذا اراد التخلّي عن البيت، ولكن لم يعد يحق له توريثه، وبات محكوما بمهلة الاعوام التسعة. وخلال هذه الفترة ايضا، يحق للمالك زيادة نسبة الـ 15 في المئة على قيمة الايجار. وبالتالي، لم يلحظ المشروع تقدّم معدل السن عند غالبية المستأجرين وعجزهم عن شراء البيت، بعد كل اعوام الايجار التي عاشها هؤلاء. فأقر.

شبطيني والحقد
مطرقة بري صادقت على 21 قانونا، فيما لم تجد الوزيرة أليس شبطيني شيئا للتعليق عليه، سوى عند مناقشة مشروع قانون تحديد مدة العطلة القضائية، التي هي اليوم ثلاثة اشهر ونصف شهر، فيما يطالب التعديل المقترح بجعلها شهراً ونصف شهر. وفيما كان ينتظر من الوزيرة ان تعلّق مثلا على مناقشات اقتراح قانون العنف ضد النساء، اعترضت على تحديد العطلة، وقالت: “يؤسفني ان أرى كل هذا الحقد على القضاء”.

وسريعا، قاطعها بري مطالبا بشطب العبارة. وقال: “هذا المجلس الذي يعطي القضاة الرواتب، ليس بحاقد على القضاء”.
واللافت ان هذه اول مداخلة لشبطيني في جلسات مجلس النواب. فأول دخولها…

هذه الحماوة في التشريع قابلتها برودة في الاوراق الواردة. اذ تحدث قلة من النواب، بينهم النائب انطوان زهرا عن “اختناق بيروت عند كل المداخل، فضلا عن قضية اللاجئين السوريين، اذ وصل عددهم الى مليون ونصف مليون، فيما السلطة غائبة عنهم كلاجئين”.

اما النائب عاصم عراجي فدعا الى “تعيين المحافظين، ولا سيما في البقاع، والتعجيل في تعيين مجالس ادارة في المستشفيات الحكومية”.
ولاقاه حماده متمنيا “النجاح لاقرار الخطة الامنية في طرابلس”، طالبا “اقرار قانون السير والتعجيل في بت القوانين الاخرى، كالايجارات والعنف”.
وعن النفط، قال: “في السابق كنا في حكومة غير متوازنة. واليوم بات ملف النفط ملحا، ولا بد من وضع شبكة امان لان الناس تعبوا”.
وكعادته ذكّر النائب سامي الجميل “بضرورة اعتماد التصويت الالكتروني”.

انما اليوم الاشتراعي لم ينته من دون اقرار “انجاز”، وهو اقرار قانون انشاء نيابة عامة بيئية. والجميّل كان ابرز المتحدثين عنه، قائلا: “هذا مشروعنا، ولا بد من اقراره”. فكان التصديق عليه سريعا، من دون اعتراض أحد من النواب، علما ان القاعة العامة كانت مليئة بمن هم ممثلون للشعب، ومنتهكون ايضا لاعراض البيئة في جبالنا وربوعنا!

الجميل صائم وحوري يسأل عن الاعلام!

– بدت لافتة مطالبة النائب سامي الجميل رفع الجلسة العامة عند الثانية بعد الظهر بدل الثالثة، بسبب الصيام. ووافق رئيس مجلس النواب نبيه بري على طلبه، سائلا: “من صائم اليوم؟”، فأجابه الجميل: “انا صائم، وجعنا”.
– منذ اللحظات الاولى للجلسة، بدا بري متحمسا لاقرار قانون العنف ضد النساء، وقال: “في حدا رح يسترجي ما يصوّت اليوم؟”.
– كانت مفارقة اعتراض “تكتل التغيير والاصلاح” على حلول النائب عصام صوايا مكان النائب ارتور نظريان في لجنة البيئة، بعدما بات الاخير وزيرا. فأمهلهم بري الى اليوم، لايجاد بديل. وعلق النائب نقولا فتوش: “في الاساس، كيف سيتم ابلاغه يا دولة الرئيس؟”. (والمعلوم ان صوايا لم يحضر اي جلسة لمجلس النواب منذ انتخابه نائبا عن جزين، وهو خارج البلاد!).
– كان لافتا استغراب النائب عمار الحوري كيف يحضر الاعلام الجلسة الاشتراعية العامة، كما لو انه يجهل نصوص النظام الداخلي.

السابق
مرجع كنسي : وفد الفاتيكان لم يتطرق لملف الرئاسة مع سياسيي لبنان
التالي
عدد ضحايا الحرب الأهلية في لبنان؟