الثقافة؟ في منطقة لا رأي فيها لمخالف أو معترض؟

هل الثقافة هي الثقافة الحربية، والقتالية والعسكرية، والجهادية؟ وما معنى ان يفتتح الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله منتدى للثقافة في منطقة لا رأي فيها لمخالف؟ ولا لمعترض؟ وهل إنّ ربط الثقافة بالسياسة يمنح الاهمية للثقافة؟ فالثقافة لا تكمل مسيرها بعد انفضاض الجمع. وذهاب الجمع نحو المجالس العزائية. فلا مجالس اخرى تعقد بعدها. فالقائد ليس هنا. فالكتاب هو القرآن، والبلاغة هي الإمام، والسياسة هي الجمهورية. فما نفع المنتديات بعد اليوم؟ هكذا يفكر جميع الحاضرين بعد ظهر ذات نهاية عطلة اسبوع في بلدة عيناتا بالجنوب.

تنشغل المنتديات الثقافية عموما برموزالأصولية الدينية منذ اكثر من ثلاثة عقود تقريبا، متخذة اشكالا واسماء معينة كل فترة من الزمن. وكأنها تبدل ثوبها مع الفصول كما حال الفراشات. لكنّ هذه الاصوليات لم تكن يوما كالفراشة ملوّنة، ناعمة، خفيفة. بل هي اثقلت المجتمع العربي والاسلامي بأثقال جمة. اهمها قبول فلسفة القتل وايجاد تبرير له.

والحديث هنا للدخول من بوابة الاصولية الشيعية التي تتمثل بإيران وربيبها حزب الله الذي نشأ اول ما نشأ كفصيل متشدد، راديكالي، متزمت. الا اننا اليوم نجده كالكحل في العين بالنظر الى الاصوليات التي تنبت كالفطريات من هنا وهناك. هذه الاصوليات التي تحتاج الى مسير طويل للتمدن والتلبنن، والعصرنة والتأقلم مع محيطها الذي انجبها.

اصوليات مخيفة لدرجة اننا عند رجوعنا الى تاريخ حزب الله لا نجده الا كمتشدد سياسي وديني، لكنّه لم يكن يوما متشدد لجهة تكفير الآخر والافتاء بقتله وذبحه ونحره.

والقصة ليست هنا ايضا. انها في صلب مسيرة الحزب الذي، رغم تبدله وتغيّره وتقلبه وانفتاحه، لا يزال يعاني من قلة التصاق المثقفين البارزين من حوله بل انفضاضهم بشكل غريب. رغم تأييد العدد الكبير من المثقفين في لبنان والعالم العربي له ولسياسيته على صعيد مقاومة اسرائيل، كون هذه القضية تخصّ كل عربي وكل مسلم، وكل مسيحي، وكل علماني ايضا.

لكن الانفضاض ليس الا آت من جهة وطرف واحد هو الحزب الذي لا يهتم بهذه الفعاليات، ولا يكرمها، ولا يبرز علاقته السرية بها، بل انه يجهد في عدم مغازلة هذه الفئة الغنية بقلمها وريشتها وشاشتها وبثها وورقها.

فغالبا ما يعترف احد ما (كما حصل مع زياد الرحباني والسيدة فيروز) أنّ علاقته بالحزب وقياداته جيدة، ولكن بالسر، وليس بالعلن. فهو- اي حزب الله- لا يخرجهم الى شاشته ولا عبر اذاعته ولا من على اعلامه الا ما ندر من مثقفي الدرجة الثانية من الشعراء والكتاب والممثلين. لاجل سيطرته على منهجهم في التعبير عن اللاحرية وضمان الطاعة. فمثقفو الدرجة الثانية يحتاجون إلى براءة ذمة من جهة، ومن جهة ثانية هي فئة مطلوبة اعلاميا كيفما شاءت وكيفما فعلت.

وطبعا هذا الكلام يستثني البعض والقلة القليلة كزياد الرحباني، والراحل انسي الحاج وبعض الملحنين، والمثقفين. فالتعبئة ضد الآخر المختلف ولو بالتعبير الثقافي واعلاء شأن الذات افضل طريقة مارسها حزب الله.

هذا الفكر المناهض لكل مختلف معه، يشكل الخطر الأعظم على القيم الإنسانية وفي طليعتها الحرية. هذه القيمة الجوهرية، تذهب ادراج الرياح باسم الإيديولوجيا وطوراً باسم الدين، وتذهب ادراج التهم الجاهزة.

واللافت ان جماهيره تنقاد كالعميان، مبررة له كل افعاله، باسم أنّ قوّة الطائفة من قوة الحزب. وقام بها خلال الأعوام الماضية ضدّ كل من يقف ضدّ مواقفه السياسية. كما أنّ مسألة اعلاء شأن الجماعة تأخذ حيزا مهما لديه اضافة إلى التركيزعلى عقدة الإضطهاد التاريخي.

فكيف نتعاطى الثقافة اذا كنا من المؤمنين بأنّنا على حقّ مئة بالمئة ولا أحد غيرنا على حقّ. أليس حزب الله اليوم يعاني من تكفير السلفيين له واباحة دم جماعته؟ ألا يرى الحزب انه عليه الاعترف بأهمية التنوع؟
هل الثقافة هي الثقافة الحربية، والقتالية والعسكرية، والجهادية؟ وما معنى ان يفتتح الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله منتدى للثقافة في منطقة لا رأي فيها لمخالف؟ ولا لمعترض؟ وهل إنّ ربط الثقافة بالسياسة يمنح الاهمية للثقافة؟هل جذبت الثقاقة الحزبية يوما ما عددا من الجماهير ان لم تكن مربوطة بالقائد او المسؤول؟ هل للثقافة حيزها المكاني والزماني والمعنوي في البيئة الحزب اللاهية؟

فالثقافة لا تكمل مسيرها بعد انفضاض الجمع. وذهاب الجمع نحو المجالس العزائية فلا مجالس اخرى تعقد بعدها. فالقائد ليس هنا.

فالكتاب هو القرآن، والبلاغة هي الامام، والسياسة هي الجمهورية. فما نفع المنتديات بعد اليوم؟ هكذا يفكر جميع الحاضرين بعد ظهر ذات نهاية عطلة اسبوع في بلدة عيناتا بالجنوب، في جبل عامل.

السابق
الدول المتصدرة في تنفيذ حكم الاعدام؟
التالي
نصرالله: الذهب سيبقى ذهباً أما الخشب فتوابيت للاسرائيليين