جمع العملات هواية تزدهر في لبنان

تزدهر في لبنان منذ مدة هواية جمع العملات، وقد عرفت تقدماً ملحوظا نحو مزيد من التخصص بعدما كانت لفترة طويلة تقتصر على مجموعة محدودة من الأفراد وتحتل مركزاً ثانوياً مقارنة بهواية جمع الطوابع التي عرفت رواجاً كبيراً لفترة طويلة من الزمن.
ساهم صدور كتاب «عملة لبنان» (la monnaie du Liban) لعبدو أيوب، في طبعته الفرنسية الأولى سنة 2004، في رفع قيمة أوراق النقد اللبناني، ليس في لبنان فحسب، بل في العالم. فالمؤلف عمد خلال سنين طويلة إلى جمع أكبر قدر ممكن من العملات اللبنانية، وعرض صور القطع النقدية والأوراق المالية بأحجامها الحقيقية التي تم تداولها منذ 1919. وبذلك بات الكتاب مرجعاً تاريخياً يحتاج إليه كل هاو بغية تنظيم مجموعته. وقد انتشل هذا الكتاب العملة اللبنانية من غياهب النسيان وسمح للأجيال الجديدة باكتشاف تراث الآباء والأجداد، فأنقذ هذا الجزء من الذاكرة الوطنية من الضياع.
وقد تبع الخطوة الفردية خطوة رسمية مهمّة، تمثلت في افتتاح متحف العملات في المبنى الرئيس لمصرف لبنان، في العيد السبعين لاستقلال لبنان. وهكذا، انضم لبنان إلى عدد كبير من الدول التي تخصص متحفاً للنقود المعدنية والورقية التي يتم تداولها على أراضيها خلال الحقب التاريخية المختلفة.
يمتاز المتحف بتصميمه وبالتقنيات الحديثة المستخدمة في طريقة عرض موجوداته المتنوعة. وهو مخصص لتاريخ العملة اللبنانية منذ انشاء «البنك السوري» في 1919. ويستطيع الزائر أن يعاين مجموعة كبيرة من أوراق النقد اللبنانية التي تم عرضها بطريقة جميلة، لا سيما بعض الأوراق البالغة الأهمية كفئة 250 ليرة الشهيرة الصادرة سنة 1939 عن بنك سوريا ولبنان، أو فئة المئة ليرة الصادرة سنة 1945 عن البنك نفسه.
شكل الاهتمام المتزايد بهواية جمع العملات حافزاً قوياً من أجل التقاء الهواة بغية تبادل الخبرات والنصائح، فاستحدثوا صفحة على موقع «فايسبوك» مخصصة لعرض ومناقشة كل ما يتعلق بشؤون الهواية (Collectors of Lebanese Banknotes & Coins).
وفكرة إنشاء الصفحة، وفق المهندس والأستاذ الجامعي سامي يحيا (31 عاماً)، «جاءت بعد بروز الحاجة إلى التنسيق بين الهواة، وكي يتمكن الجدد منهم من الاستفادة من خبرة الذين سبقوهم في هذا المجال». يضيف ان «الصفحة تسمح بالتواصل والتفاعل وتمكّن العضو من عرض ما يملكه من عملات لا يحتاج إليها للبيع، ومن شراء ما لا يتوفر في مجموعته بأسعار جيدة، إضافة إلى منح الهاوي خيارات عدة تتيح له الحصول على ما يريد».
ولم يقتصر التفاعل على الفضاء الرقمي، فالقيمون على الصفحة ينظّمون لقاءات دورية للتباحث في شؤون الهواية، ويتخللها تبادل للعملات أو عمليات بيع وشراء مباشرة. فالهواية، كما يقول يحيا: «جعلتنا أصدقاء وهي تجمعنا بغض النظر عن توجهات الأعضاء وآرائهم السياسية، فالاهتمام بكل شيء قديم يتعلق بتراث لبنان هو في الحقيقة شكل من أشكال الانتماء الوطني».
وقدّم القيمون على الصفحة، لإنشاء جمعية وفقا للأصول القانونية، أوراق العلم والخبر إلى وزارة الداخلية.
لكن التقدم الذي شهدته هواية جمع العملات ما زال محدوداً. فلبنان يفتقر إلى محال متخصصة ببيع أوراق النقد والقطع المعدنية، وتجار «الأنتيكا» باتوا أقل ثقافة من قبل، ويشكو الهواة من أن هؤلاء «مجرّد تجّار».
والمعدّات التي تحتاج إليها هذه الهواية للحفاظ على القطع النقدية والأوراق المالية ضمن شروط سليمة، غير متوافرة في لبنان. والحجّة التي يكرّرها التجار هي الطلب المحدود عليها. ما يدفع بالهواة إلى شرائها من الخارج كونها تشكل جزءاً مهما من أجل إبراز قيمة المجموعة بطريقة حرفية وحمايتها من عناصر الطبيعة التي تتهددها بالتلف.

أباطرة وشعراء وتاريخ
ليس النقد مجرد وسيلة للتبادل التجاري، ولا تقتصر دراسته على علم الاقتصاد الذي يهتم بالمال من الناحية الوظيفية فقط أي دور هذا الأخير في حركة السوق والانتاج وتراكم الثروات. فقد تتم دراسة النقود من حيث تاريخ نشأتها وتطورها عبر الزمن من خلال الأشكال المختلفة التي عرفتها في هذا البلد أو ذاك. فالنقد يتجاوز أحياناً عند البعض طابعه الوظيفي البحت ويتحول إلى قيمة تاريخية.
العلم الذي يهتم بهذا الجانب من النقد يعرف بـ«Numismatique»، وهي كلمة من أصل لاتيني (numisma) تعني قطعة معدنية من النقد. ويهتم هذا العلم بدراسة النواحي غير الاقتصادية للنقود المعدنية والورقية.
على الرغم من أن المراجع التاريخية تؤكد أن جمع العملات هواية قديمة جداً بدأت مع أباطرة الرومان الذين كانوا يهتمون باقتناء العملات اليونانية، ولا سيما تلك التي أصدرها الاسكندر المقدوني الكبير، لكنها ظلت محصورة بطبقة النبلاء والأثرياء حتى القرن العشرين. ومن أقدم الذين اهتموا بجمع العملات نذكر الشاعر الايطالي بترارك (1304-1374) ومن أشهر المعاصرين ملك مصر فاروق الأول.

السابق
الأمور التي لا يفعلها الأذكياء؟
التالي
خالد عيّاد مكرما في مهرجان الحامة الدولي بتونس