خطة سعودية لتغيّير قواعد الإشتباك بدءاً من الجنوب السوري

تعود المملكة العربية السعودية من جديد إلى الصفوف الأمامية  في رفع لواء «مكافحة الإرهاب» الذي خبرته سابقاً، ونجحت في مسار التصدي له، ولا سيما بعدما أضحى هدفاً عالمياً في أعقاب أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001. تلك العودة تجلّت بشكل أساسي في الأمر الملكي الأول بتجريم المواطنين السعوديين في حال القتال في الخارج  أو الانتماء إلى تيارات مُصنّفة إرهابية أو دعمها مادياً. وتجلّت كذلك في الأمر الملكي الثاني الذي صنّف في خانة المنظمات الإرهابية تنظيمات إسلامية شملت «الاخوان المسلمين» و«حزب الله» في الحجاز و«داعش» و«جبهة النصرة» و«الحوثيين» وكل من انتمى إلى «القاعدة».
ثمة من يعتقد أن الاندفاعة السعودية تتماهى مع قرار دولي، متجدّد هو الآخر، بضرورة التصدّي بقوة لخطر تنامي التنظيمات الإسلامية المتطرّفة وانتعاشها، مستفيدة من ساحات الصراع المشتعلة دفعة واحدة في أماكن عدّة، من ليبيا واليمن مروراً بمصر ووصولاً إلى سوريا الساحة الأكثر جذباً لهذه التنظيمات العابرة للحدود والتي تستقطب «جهاديين» عرباً وأجانب، باتت دولهم تتخوّف من تداعيات عودتهم إليها. قد يكون القرار السعودي يشكل، في جانب منه، صدىً للقرار الدولي، ولا سيما أن المملكة، التي خاضت حرباً شرسة مع «تنظيم القاعدة» بزعامة مواطنها أسامة بن لادن، تدرك مآل انفلاش التنظيمات المتطرّفة ذات الأجندات المتعددة ومخاطرها على أمن دول المنطقة وعلى السلم العالمي، لكنه في رأي مراقبين يأتي في سياق  مقاربة جديدة للمملكة حيال المواجهة المفتوحة في ساحات الصراع، وتحديداً الساحة السورية التي يتلكأ الغرب وخصوصاً الولايات المتحدة الأميركية الداعمة للثورة السورية في مدّ القوى المعارضة المعتدلة بالأسلحة النوعية بحجة المخاوف من وقوعها في يد القوى المتطرفة.
فقبل انعقاد مؤتمر جنيف - 2 الذي سعى النظام السوري وحليفته موسكو إلى جعل «مكافحة الإرهاب» بنداً أولاً على جدول أعماله لحرفه عن هدفه وتعويم الرئيس السوري بشار الأسد كشريك في هذه المعركة، خاضت قوى المعارضة المعتدلة، ولا سيما الجيش الحر والفصائل الإسلامية المعتدلة مواجهة قاسية مع «داعش»، ما أجهض خطة النظام السوري وراعيه الدولي، فيما أثبتت تلك القوى قدرة مقبولة على القيام بتلك المهمة، واكتسبت حيزاً من الصدقية يمكن التأسيس عليها مع الدول المترددة. ويذهب مطلعون إلى القول إن المملكة، التي أخذت على عاتقها الانخراط بقوة في معركة تقويض التنظيمات المتطرفة في سوريا، عبر دعمها للمعارضة المسلحة المعتدلة، قد ساهمت وحلفاؤها إلى دفع الائتلاف الوطني السوري إلى رسم استراتيجية جديدة تقوم على تغيير قواعد اللعبة أو شكل المواجهة، بحيث تستند بشكل رئيسي على تعزيز القوى الداخلية السورية المرتكزة على العشائر في المواجهة المزدوجة للتنظيمات المتطرفة والنظام السوري، خصوصاً أن هذه العشائر قادرة على خوض هكذا مواجهة مع «الإرهاب العابر للحدود» بما لها من تأثير في بيئتها، وما تعبّر عن النسيج الاجتماعي السوري  المعتدل.
ويشكل الجنوب السوري، انطلاقاً من درعا ومحيطها، حيث لا وجود لقوى متطرفة، نقطة ارتكاز  للمنطقة المحررة تحت سيطرة المعارضة، إذ جرى أخيراً إعادة هيكلة الجيش السوري الحر وتغيير قيادته بما يتلاءم مع شكل المواجهة الجديدة، الأمر الذي يفتح الطريق أمام إزالة العقبات التي تتذرع بها واشنطن لمنع وصول السلاح النوعي للمعارضة.  فحرمان المعارضة من السلاح النوعي في مقابل تدفق السلاح إلى النظام من إيران وروسيا أخلّ بموازين القوى على الأرض، وسمح للنظام السوري مدعوماً بالميليشيات الشيعية من لبنان والعراق بتعزيز وضعه العسكري في الميدان نتيجة هذا الخلل. ويدل المنحى الذي يسلكه الأسد، من خلال الاستمرار بالتصعيد الميداني وتفصيل مجلس الشعب السوري قانون الانتخابات الرئاسية على قياس الرئيس الحالي، أن النظام يُراهن على الحل العسكري بديلاً للتسوية السياسية التي حدّد مؤتمر جنيف -1 آليتها. وهو المنحى الذي جعل الموفد الدولي الأخضر الإبراهيمي أمام مجلس الأمن يتهم الأسد بـالقيام «بمناورات تسويفية» لتأخير العودة إلى طاولة المفاوضات المهددة بالانهيار إذا  ترشح إلى الانتخابات الرئاسية المقبلة، والتي تدل المؤشرات الآتية من دمشق أنه ماض في خطته مستفيداً من الانشغال الدولي في أحداث أوكرانيا، ومن إمكان تصلّب روسيا في سوريا في مواجهة الهجمة الغربية عليها في عقر دارها.
وإزاء الاقتناع التام لدى القوى الإقليمية والدولية المعنية بالصراع في سوريا بأن الميدان سيرسم مصير سوريا الغد، فإن هناك ضرورة وحاجة إلى إحداث تغيير ما في الميدان ولا سيما أن معركة القلمون باتت على طريق الحسم النهائي لمصلحة النظام، ومسألة سقوط يبرود ليست سوى مسألة وقت، مع الحصار المفروض عليها والطوق المحكم حولها، ولا بد تالياً للمعارضة من تحقيق «انتصار ما» لإعادة التوازن بين طرفي الصراع يعيدهما إلى طاولة المفاوضات للسير في خارطة الطريق التي رسمها مؤتمر جنيف -1، وهو أمر يعلمه جيداً الرئيس الأميركي باراك أوباما الذي سيزور السعودية هذا الشهر، ويُدرك سلفاً أن حليفه الاستراتيجي المبدئي في المنطقة لا ينتظر فقط لسماع إيضاحات عن التحولات في السياسة الأميركية الجديدة في المنطقة، وحيال الجار الإيراني الذي دخلت الرياض معه في مواجهة مفتوحة في غير ساحة لوضع حد لتمدّد نفوذه السياسي في الدول العربية، بل للحصول على إجابات واضحة وشافية في ما خص القرار الأميركي المتعلق بسوريا!

السابق
تقنين قاس في انتظار لبنان سببه 3 لاءات
التالي
في ظل المتغيرات الدولية والإقليمية: كي لا نكون وقوداً للحروب العبثية؟