العجز الأميركي – الدولي عن المواجهة الأوكرانية يستعيد التجربة التوسّعية الإسرائيلية

لم تجد الازمة الاوكرانية طريقها الى مجلس الامن كما يفترض باي ازمة مماثلة تمثلت في دفع دولة كبيرة كروسيا بقواها العسكرية الى القرم تمهيدا لاعادتها الى حظيرة السلطة الروسية في استعادة وهمية لسلطان الاتحاد السوفياتي سابقا. فان تكون روسيا دولة من الدول الخمس الكبرى الاعضاء في المجلس ومعتدية على سيادة دولة جارة شكك الرئيس الروسي فلاديمير بوتين “في شرعية خروجها من الاتحاد السوفياتي”، كما قال، من شأنه تعطيل اي قرار على نحو بديهي. في حين ان المآخذ القانونية والشرعية كثيرة ان في تجاوز روسيا مذكرة بودابست الموقعة عام 1994 بينها وبين اوكرانيا والولايات المتحدة وبريطانيا، في ما خص تسليم اوكرانيا اسلحتها النووية الى روسيا في مقابل احترام روسيا سيادة اوكرانيا وسلامة اراضيها او في شأن دفع روسيا الى استفتاء في القرم يتجاوز ما هو معمول به في الدولة الاوكرانية لجهة تقرير الاستفتاء ومن يقرره. كما ان هذا الخرق الروسي للقوانين والشرعة الدولية لا يبدو محل حملة كبيرة سياسية واعلامية من الدول الاوروبية او من الولايات المتحدة على رغم اقرار هذه الدول بوجود مصالح مباشرة لروسيا في اوكرانيا وفي القرم والاستعداد للتسليم بها بالتزامن مع التهديد بعقوبات او اجراءات ضد روسيا ازاء ما قامت به وفي حال ضمت القرم الى سلطتها.

ومع ان هناك ترقبا لطبيعة المحادثات التي سيجريها رئيس الديبلوماسية الاميركية جون كيري مع نظيره الروسي سيرغي لافروف اليوم حول الازمة الاوكرانية على نحو استباقي للاستفتاء الذي يفترض حصوله يوم الاحد حول ضم القرم الى روسيا، فان ثمة من يعتقد ان الثغرة في الموقف الاميركي في هذا الاطار تكاد تقارب الموقف العاجز من اعتداءات اسرائيل ومواصلتها ضم الاراضي واقامة المستوطنات من دون قدرة على وقفها مما يساهم في اعلاء شأن استخدام القوة واطاحة المواثيق الدولية تحت مسميات وذرائع شتى. فحين تعجز الولايات المتحدة عن ردع اسرائيل عن المضي في خططها التوسعية بما يؤدي الى تآكل الاراضي الفلسطينية وتراجع فرصة قيام دولة حقيقية وحتى عن اقناع رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو بافساح المجال امام اتفاق اطار يطلق المفاوضات النهائية، فمن غير المرجح ان تنجح في ردع روسيا عن خططها التوسعية مجددا ما لم تقتنع روسيا بمصلحتها المباشرة لاعتبارات عدة اقتصادية وسياسية بحوار مع اوكرانيا لا يرميها في حضن الغرب الاوروبي ولا يعيدها الى احضان روسيا مجددا ويحفظ مصالح الجميع وماء وجههم ايضا.
والمفارقة المهمة في هذا الاطار ما تبرزه مصادر ديبلوماسية لجهة كيفية المقاربة الخجولة التي اعتمدتها الامم المتحدة للازمة الاوكرانية والتي من شأنها ، وفق رأي هذه المصادر، ان تظهر ضعف سلطة المنظمة الدولية واضمحلال تأثيرها اكثر فاكثر مع توجيه الامين العام للامم المتحدة الدعوة الى كل من روسيا والولايات المتحدة في مناسبة الذكرى الثالثة لانطلاق الثورة في سوريا ضد النظام الى احياء محادثات السلام حول سوريا ، تزامنا مع تحذير الموفد الاممي الى سوريا الاخضر الابرهيمي من التأثير السلبي لاحتمال اعادة انتخاب بشار الاسد على العملية السلمية والنية في الطلب الى روسيا الضغط على النظام السوري عدم اللجوء الى هذه الخطوة. اذ ان هذا الموقف يظهر قمة العجز الدولي من المنظمة الدولية من جهة بحيث تقف رهينة قرارات يفترض ان تصدر بالاجماع في مثل هذه الحال كما اضطرار بعض الدول الغربية الطلب الى روسيا بالذات، ولو من دون تسميتها مباشرة نظرا الى الخلاف القائم معها حول اوكرانيا، باعتبارها من الدول التي “لها تأثير على النظام” والتي يتم تهديدها باجراءات لمخالفتها المواثيق الدولية عبر انتهاكها السيادة الاوكرانية للتدخل من اجل ردع النظام عن القيام بخطوات تفجر العملية السياسية لايجاد حل للازمة السورية من جهة اخرى. وتاليا لا يبدو واضحا كيف يمكن تحفيز تحرك دولي مشترك من اجل سوريا مجددا في ظل هذه المقاربات، ما لم يشكل العناد الروسي حول اوكرانيا وعدم التعاون من اجل حلول تخفف الاحتقان والتوتر في اوروبا سببا مباشرا للنفاذ الى حلول قسرية تم الابتعاد عن اعتمادها خصوصا في الموضوع السوري ودفع النظام الى اعتماد مقاربة جدية للحل الذي رفضه حتى الآن.

السابق
رفعت عيد: على الدولة ايقاف المهزلة في طرابلس وبعد توزير ريفي أصبح مسلحوه يقتلون بلا محاسبة
التالي
«عون راجع» إلى «قصر الشعب»؟