«عون راجع» إلى «قصر الشعب»؟

عندما قصدت احدى الناشطات العونيات الرابية شاكية للعماد ميشال عون بعض نواب التيار وقيادييه، من المستائين من الخيارات العونية الأخيرة في حكومة الرئيس تمام سلام، رد «الجنرال» عليها بما معناه انه «سيعاقبهم» بجعلهم ينتظرون طويلاً قبل أن يستقبلهم في مكتبه في قصر بعبدا.

وبصرف النظر عن مدى صحّة هذه الرواية، التي يتناقلها زوّار للرابية، يشير هؤلاء الى أن عون أكثر ثقة من أي وقت مضى بامكانية عودته الى «قصر الشعب» رئيساً لا صانعاً للرؤساء. وهو يستمدّ ثقته هذه من امتلاكه كل عناصر القوة، مارونياً ـــ مسيحياً ولبنانياً واقليمياً ودولياً.
مسيحياً، يمثّل عون الشريحة المسيحية الأوسع. قوته هنا تنبع من ذاته لا من تأييد حلفائه ولا من تجيير أصواتهم له وحسب، كما هو الأمر بالنسبة الى قائد القوات اللبنانية سمير جعجع أو النائب بطرس حرب، مثلاً. بذلك، فإن عون، وحده، القادر على طمأنة المسيحيين بأن عودتهم الى السلطة باتت فعلية للمرة الأولى منذ إقرار اتفاق الطائف. فيما لا قدرة لأي من المرشحين الآخرين على اعطاء انطباع كهذا للجمهور المسيحي. ناهيك عن أن أياً من المرشحين لا يتمتع بالحيثية التي يمتلكها قائد الجيش السابق في أوساط المؤسسة العسكرية التي تعوّل واشنطن علىها كثيراً في مرحلة «محاربة الارهاب» المقبلة. لا بل إن لبعض الطامحين للرئاسة تاريخاً من العداء الدموي مع هذه المؤسسة.
صحيح أن قدرة سيد الرابية على جمع 58 نائباً مضموناً خلف ترشيحه تعادل قدرة سيد معراب أو «شيخ تنورين» على جمع العدد نفسه من الأصوات، على افتراض اتفاق مكوّنات 14 آذار على اسم مرشح واحد. لكن الفارق أن لقدرة عون هنا مضموناً استراتيجياً، لبنانياً واقليمياً ودولياً، غير موجود لدى أي من خصومه الذين تنحصر قدرتهم في التحشيد «الكيدي» ضد جنرال الرابية. وهذه الأبعاد، المحلية والاقليمية والدولية، باتت مطلوبة بإلحاح في الرئيس المقبل، في ظلّ العجز التام عن اجتراح الحلول لبنانياً، والحرص الدولي على ابقاء لبنان في دائرة الاستقرار بعيداً عن الحريق السوري.
وفي هذا السياق، فقد أثبت الاشتباك الأخير بين حزب الله والرئيس ميشال سليمان أن أي مقاربة صدامية لموضوع سلاح المقاومة والاستراتيجية الدفاعية لا يمكن إلا أن تزيد الأمور تعقيداً وتوتراً. وبالتالي، المطلوب من أي رئيس جمهورية مقبل أن يتمتع بقدرة على التعاطي مع هذه المسألة بلغة تطمينية تعترف للمقاومة بأنها عنصر قوة للبنان، وتقارب مسألة السلاح والاستراتيجية الدفاعية من منطلق الاستفادة من عناصر قوتها. كما أن أي مقاربة للحوار مع حزب الله حول قتاله في سوريا، ينبغي أن يكون منطلقها متفهّماً للضرورات التي أملت على الحزب تدخّله هذا، وليس شامتاً، أو متربّصاً بعواقب هذا التدخل. وهنا، أيضاً، وحده عون قادر على مثل هاتين المقاربتين استناداً الى تفاهمه المستمر مع الحزب منذ شباط 2006. وهو ما بات موضع «شبه قناعة» أميركية، على ما يقول مقربون من الرابية، بعدما أدّت كل الخيارات الأخرى التي جرّبتها واشنطن، بما فيها العسكرية، الى تعاظم قوة حزب الله ونفوذه.
أضف الى ذلك أن الصراع السني ــــ الشيعي الذي يلفّ المنطقة بأسرها يحتاج الى شخصية في موقع الرئاسة قادرة على إدارة حوار ــــ لبناني على الأقل ــــ بين طرفيه. وهذا، أيضاً، موضع اهتمام دولي، وأميركي خصوصاً، في سياق الحفاظ على الاستقرار في «لبنان النفطي». ولا يمكن أحداً تخيّل أي من خصوم حزب الله «الفاقعين»، مثل سمير جعجع أو بطرس حرب أو حتى الرئيس أمين الجميل، قادراً على إدارة حوار كهذا. أيضاً وأيضاً، وحده ميشال عون الذي حفر بإبرةٍ جبل الجليد مع خصمه سعد الحريري، ومن خلفه المملكة العربية السعودية، له القدرة على ذلك.

السابق
العجز الأميركي – الدولي عن المواجهة الأوكرانية يستعيد التجربة التوسّعية الإسرائيلية
التالي
جلسات مفتوحة في بعبدا وسلام يعود عن استقالته