لهذه الأسباب الدينية خلعت الحجاب بعد إكراهي على لبسه

بعد 17 عاما من ارتداء الحجاب إكراها نجحت في خلعه. ذلك بعد معركة دامت 6 سنوات، خضتها ضدّ أهلي بدبلوماسية عالية وإصرار منقطع النظير. وإليكم قصّتي.

بعد 17 عاما من ارتداء الحجاب إكراها نجحت في خلعه. ذلك بعد معركة دامت 6 سنوات، خضتها ضدّ أهلي بدبلوماسية عالية وإصرار منقطع النظير. وإليكم قصّتي.

كان هناك ضريبة دفعتها ثمنا لموقفي هذا، فقد أدانني الجميع، البعيدون وذوو القربى. جرّدوني من قيمي ومبادئي الإنسانية. فمنهم من قال إنّ هناك شيطانا آثما قد فتك بعقلي، فاستغقروا لي ربي، ومنهم من ذهب أبعد من ذلك إلى إتهامي بالإنحراف والإرتداد عن الإسلام. ولواستطاعوا اليّ سبيلا لرجموني.

خلعت الحجاب لسببين: الاول يتعلق برغبتي في ان امارس حريتي المطلقة، وأن أمتلك القدرة على إتخاذ القرار في كل ما يتعلق بشؤوني. أما السبب الثاني، وهوالأهم، فيتعلق بالحجاب نفسه، وهو مجموعة قراءات عديدة حول ماهية الحجاب، التي من خلالها تبوّأت معرفةً واضحة، ووجدت نفسي خارج دائرة الإيمان به.

قبل الشروع في التفاصيل يستوقفني رأي بعض الفقهاء الذين يشيرون عليّ بأنّ الدليل على أهمية وجوب الحجاب يكمن في عدم وجوبه. أي بمعنى أنّ الحجاب حاجّة ماسة لتحصين عفّة المرأة وصونها من افتتان الرجل، ومن اي سوء قد يكمنه لها.

لا شك أنّ هذا دليل يستهزىء بالعقول. لا بل يستخف بها. فعِلّة وجوب الحجاب تدحض وجوبه. إذا كان فرضه خوفاً من افتتان الرجل بالمرأة، فعليهم بدل الحجاب أن يجدوا حلا للرجل لئلا يفتتن بالمرأة.

أضف إلى ذلك أنّ ذكر الحجاب في القرآن لم يرد إلّا في الآية التي تحدثت عن نساء الرسول: “فاسألوهنّ من وراء حجاب”. أما فيما يخصّ الآية التي اجتهد الفقهاء في تفسير أنّها دليل على وجوب الحجاب: “وليضربنّ بخمرهنّ على جيوبهن”، فللمفكر جمال البنّا رأي آخر في تفسيرها. إذ يشير إلى أنّ هذه الآية “كانت في إطار الحديث عن لباس إجتماعي سائد في ذلك الوقت، فالرجال يلبسون العمائم والنساء تختمر لتقي نفسها من التراب أو من الشمس”. وبالتالي فالمسألة لا علاقة لها بأصل الدين وفروضه. من هنا أمر القرآن أن تسدّ المرأة فتحة الصدر بالخمار التي كانت ترتديه كعادة اجتماعية. لكنّه لم يأمرها بأن ترتدي الخمار ولم يقل من الضروري أن يغطي الرأس.

وقد أثارت آراء البنّا جدلا واسعا في أوساط المتدينين. فبحسب رأيه ليس الحجاب عقيدة أو فرضاً في الإسلام. واضاف شارحا أنّ هناك إطارا تاريخيا للحجاب كعادة اجتماعية. فلقد ذُكر الحجاب في كتب حمورابي، وفي أثينا بعهد أفلاطون. وكذلك كان الحجاب موجودا قبل الإسلام بألفي عام. فاليهودية ركّزت على الححاب وأيّدته المسيحية كذلك، كما نرى في ألبسة الراهبات حتّى يومنا هذا.

وقد كان جليا في تعاليم الدعوة المحمدية النهي عن وأد الأنثى . وجاء الخطاب النبوي ليؤكد ذلك ويحثّ على احترام المرأة. ويؤكد الفقهاء والمراجع الدينية أنّ الإسلام أعطى المرأة الكثير من حقوقها. لا بل حرص على تحصينها ودعمها لتحصيل موقع فعّال في المجتمع. لكن هل الواقع يعكس مفاهيم هذا الخطاب؟ وهل هذا الخطاب يحمل في ثناياه دعوة واضحة إلى المساواة بين الرجل والمرأة؟

بالطبع إنّ المكانة اللاهوتية للقرآن عند المسلميين تأبى أن تَخضع بعض الآيات للتحليل والنقاش، لا بل تعتبر القرآن كلام الله المتعالي عما قد يأتي به السفهاء من القول بضرورة إعادة قراءته. وإعادة النظر في تفسير الخطاب الديني وتفكيكه وإخضاعه للتحليل والنقد ليس حراما، بل لهذا يُصَفُ القرآن بأنّه لكلّ زمان ومكان.

وقد يكون هذا الموقف الأرثوذوكسي المتشدّد ضدّ إعادة قراءة القرآن مرّة بعد مرّة، أحد أسوأ المصائب في هذا القرن. فنظرة تفحّص عميقة لهذه المفاهيم والممارسات اليومية تُظهر خللاً واضحا في تطبيق الدين نفسه. لا بل تساهم في إبقاء المرأة في واقع وإطار فكري عقائدي دوغمائي مقفل على عقل والنقد، يسيء إليها وإلى حياتها المعاشة. وقد كرّست بعض الآيات والأحكام الدينية سلطة الرجل المطلقة واعتبرت المرأة كائنا أدنى منه. فعلى سبيل التعداد لا الحصر، نستشهد بالآتي:

لقد اعطى الدين الإسلامي الحقّ للرجل في تطليق المرأة من دون الوقوف عند رغبتها. حتّى أنّه يستطيع ذلك من دون علمها. في حين أنّه لا يحقّ للمرأة أن تطلّق الرجل، حتّى لو كان هناك ظروف قاهرة كتعرّضها للعنف أو هجرها. لا بل أعطى الرجل الحق في ضربهن :”وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ”.

كذلك صنف تفسير الإسلام الخاطىء المرأة على أنّها نصف كائن، فبحسب آياته وممارسات متّبعيه، فإنّ شهادة الرجل تعادل شهادة امرأتين، وذلك بغضّ النظر عن مكانة المرأة ومؤهلاتها العلمية. وكذلك في الميراث، فقد ميّز الإسلام بين الرجل والمرأة، فللذكر مثل حظ الأنثين في الإرث.

على صعيد آخر كرّس تفسير الإسلام الخاطىء سلطة الرجل عندما اناط به وحده مكانة “سلطة الدين” وأعطى للرجل فقط حق إمامة الصلاة . مع العلم أنّه، وبحسب الإسلام، تحتاج الإمامة إلى العلم والمؤهلات، ولا تأتي بالفطرة. وهذه المؤهلات هي العلم بالقرآن. فالأعلم يؤمّ الصلاة.

بعيدا عن المسألة اللاهوتية لا بدّ من القول إنّنا نحن النساء من نتحمل مسؤولية هذا الواقع الذي نحياه. واليوم أقصى ما توصلنا اليه في نضالنا من أجل حقوق المرأة هو تكريس دونيتها. كيف؟ تفحّصوا جيدا واقع المرأة اليوم: هل تستطيع المرأة بكامل إرادتها أن تزوج نفسها؟ أن تقول إنّها ضدّ الزواج ومع المساكنة؟ أن تطلب الطلاق وتحصل عليه؟ ألا تُعنَّف لأنّ هناك قانونا يعاقب الزوج أو الأب اوالأخ؟ هل تستطيع الزواج مدنيا وليس دينيا؟ هل تستطيع العيش وحدها؟

هنا بيت القصيد. المشكلة ليست في الرجل وسلطته المطلقة وممارساته، بل فينا نحن النساء. من ربّى الرجل الذي يعنّف زوجته. فمن ربّى الفتاة التي تنصاع لأخيها وتنفذ كل ما يقوله أبوها؟ من ربّى الرجل على أنّه الأقوى وله الحقّ بأن نطيعه؟ من ربّى المرأة على أنّها لا يمكن ان تعيش وحدها بثقة؟ وعلى أنّها تحتاج دائما إلى لرجل للمضي قدما؟

المرأة هي التي تصنع هذا المجتمع المعوّق والمتخاذل بحقّ المرأة.

السابق
المروحي الاسرائيلي وطلعاته فوق شبعا
التالي
برلمان القرم يصدّق على وثيقة الاستقلال عن أوكرانيا