ثلاث سنوات على الحرب ضدّ الشعب السوري

العملية الطويلة والمعقّدة التي أنتجت إطلاق سراح راهبات معلولا، أكّدت مرّة أخرى، كيف أصبحت كل قضيّة خارجة من «الملعب» السوري، قضيّة إقليمية كبرى، تُنسج تفاصيلها نجاحاً أو فشلاً تحت المراقبة الدولية المكثفة والدقيقة. انتهى الزمن السوري. دخلت سوريا دائرة التدويل المفتوحة على كل الاحتمالات.

منذ تعسكرت الثورة في سوريا، تحت ضغط القمع المسلح للنظام الأسدي، وقعت الواقعة. يوماً بعد يوم يتبيّن أن لا أحد يريد انتصار الثورة ولا النظام الأسدي بالضربة القاضية، وإذا أراد أحد ذلك فبناء على شروطه، والنتائج التي تتناسب مع حضوره وطموحاته. لم يعد يفيد كثيراً الكلام عن وقائع السنوات الثلاث الماضية. المهم الحاضر وتفاصيله، والمستقبل واحتمالاته.

فشل جنيف-2، لا يعني أبداً وأد الحل السياسي، وإنّما تأجيله على وقع المعارك العسكرية، التي تؤكد يوماً بعد يوم أنّ جيش النظام الأسدي يملك القدرة والحرّية على القصف الجوّي والبرّي، دون القدرة على الحسم نهائياً برّياً، في حين أنّ القوى المعارضة المسلحة بجميع فصائلها وأنواعها، قادرة على القتال والصمود ولكنها لا تملك إمكانات الانتشار والتمدّد.

هذه المعادلة ما كانت لتتم لولا التدخّل الخارجي. حالياً في سوريا أربع قوى تتحارب:

[الجيش الأسدي ومعه الميليشيات المتعدّدة الأسماء والانتماءات.

[«جيش» الجنرال قاسم سليماني الذي يضم ميليشيات ومقاتلين شيعة موزّعين على «حزب الله» والعراقيين من «لواء أبو الفضل العباس« وغيره، و»لواء بدر» الذي يخضع لسلطة وزير النقل العراقي هادي العامري، وأخيراً كما تؤشّر المعلومات الميدانية حضور ومشاركة جنود إيرانيين من «الحرس الثوري« و«الباسيج«. وبحسب مختلف المعلومات فإنّ «فيلق« قاسم سليماني (إلى جانب «فيلق القدس« الذي يمدّه بالضباط والخبراء) يضم أكثر من خمسين ألف مقاتل أجنبي.

هذه القوّة الميدانية الفاعلة والمؤثّرة والوازنة في تغيير موازين القوى هي التي دفعت سليماني قبل أيام للمباهاة في احتفال جماهيري بقوله: «إنّ سوريا الآن باتت محوراً لمواجهة أساسية تقف فيه الدنيا في جانب وإيران في الجانب الآخر… مَن يدعون إلى ذهاب الأسد واستبداله بشخص آخر لا يقفون على حقيقة الأمر»…

لا شك أنّ النظام الإيراني بشقّيه «الخامنئيني« و«الروحاني« يعي هذه القوّة ويريد استثمارها، لذلك يقول الرئيس روحاني: «لن يتحقّق السلام والاستقرار في المنطقة من دون إرادة إيران». أما قوى المعارضة المسلحة المشكّلة من بقايا «الجيش السوري الحرّ« والقوى الإسلامية المتعدّدة الأسماء أبرزها «النصرة» و»داعش» التي تضم عدّة آلاف من العرب والأجانب المسلمين، فإنّها إلى جانب اقتتالها، الذي تتداخل فيه كل «الأمراض» الداخلية مع «الأوبئة» الخارجية والدعم المحدود إما لغاية محسوبة لدى هذه القوى أو لأنّ الولايات المتحدة الأميركية قد وضعت خطوطاً حمراً للمساعدات والإمدادات تحت مسميات بعضها واقعي والبعض الآخر مفتعل ومتعلق باستكمال «حرب الاستنزاف» حتى تحقيق الهدف «الأوبامي» الأوّل وهو كسر إرادة طهران وموسكو وإجبارهما على التفاوض على ملفات أخرى غير سوريا من موقع المُستنزف.

هذا الأسبوع مهم جداً في مسارات المواجهة أو المفاوضات الإقليمية والدولية. كل طرف يريد إثبات حضوره قبل القمّة التي ستجمع الرئيس باراك أوباما مع خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز. عملية صغيرة نسبياً مثل إطلاق سراح راهبات معلولا هي جزء من «الاستعراض السياسي» لقطر حتى لا تغيب عن الصيغ الأساسية لمسارات قضايا المنطقة وليس سوريا وحدها.

يبقى السؤال الكبير: ماذا لدى أوباما ليقدّمه؟

لم يعد يكفي التباهي «الأوبامي» في شنّ حرب استنزاف طويلة ضدّ روسيا وإيران. حان الوقت للأفعال التي تؤكد وتطمئن حلفاءه أنّهم ليسوا وحدهم في مواجهة هذا المنسوب المرتفع من استخدام القوّة للمعسكر الذي يعتبر وجوده من بقاء الأسد إلى الأبد.

السابق
وكيل نعيم عباس قدم مذكرة الدفوع الشكلية في ملف دفتردار
التالي
هل ينجح اليوم تحرك طلاب الأميركية؟