البطّ لا يطير والخلد لا يرى: تحالفات جديدة في المنطقة

من الدواجن والبط ومثلهم النعام، طيور بالخلقة، لكنها شواذٌ لا تطير، والخلد مثال آخر في باطن الأرض معاشه له عينان لكنّه فاقد لحاسة البصر. إنها الحاجة والكفاية وتأثير الطبيعة تتداخل معاً لضمان البقاء ومواجهة أسباب الإنقراض. هذا مدخل لفهم التغييرات في التحالفات خلال الأشهر الأخيرة.

مذهب التطوّر بتأثير التحول يدفع بالكثيرين الى اعتناق القوة والتناحر. العادة قد تؤثر في التركيبة. والأغلب هي (أي التركيبة) قادرة مع بعض التهذيب والتغيير البسيط أن تتحول إلى عادة. فهذه الدواجن وهذا البط ومثلهم النعام، طيور بالخلقة، لكنها شواذٌ لا تطير، والخلد مثال آخر في باطن الأرض معاشه له عينان لكنّه فاقد لحاسة البصر. إنها الحاجة والكفاية وتأثير الطبيعة تتداخل معاً لضمان البقاء ومواجهة أسباب الإنقراض.

بالعودة الى شريط الأحداث في بلاد العرب فلا بد وأن تلحظ تغيراً صريحاً في مسارات التسوية وتلمس تبدلاً واضحاَ في مواقف اللاعبين الدوليين كما الإقليمين كل وفق ما تقتضيه مصالحه ووفق ما تمليه عليه التطورات الميدانية في ساحات المعارك وميادين القتال. أضف إليها بروز معطيات طارئة تشكل حالات شاذة تستطيع. وبالتحول النشوئي إلى الإنقلاب على المعادلات القائمة وإفراز قوى جديدة تمضي مؤثرة لتدرك غايات أخرى مختلفة تصبح الأولى معها غير ذات قيمة أو فائدة.

تلك الأمور وغيرها أعادت لبنان الى حال الفراغ والركود التي لم يخرج منها أساساً منذ العام 2005 وأبقته في حلقة مغلقة تطفو على سطحها فكرة تصريف الأعمال مجدداً. تلك التي تبنتها في السابق قوى مؤيدة أو داعمة، متورطة أم مورطة، مع نظام الأسد في حربه تحت عناوين الممانعة والحفاظ على المحاور. لكنها اليوم أصبحت مطلبا جماعيا من معظم القوى اللبنانية التابعة. خصوصاً أن صرخات النأي بالنفس عن الصراع بُحّت وما عادت تسمع، والأصل من الحرب اليوم تحقيق مكاسب لا مكان فيها لوهم النصر أو حقن الدماء.

الأمور اليوم ذاهبة، وبعد فشل جنيف 2 بسبب ما ذكرنا، الى مزيد من القتال والتقاتل، الى مزيد من الدماء والصراخ، الى التشرد والعاهات، الى الكثير من الخراب، البطالة والأمراض، الى مزيد من المشاكل الإجتماعية والإقتصادية، إلى أزيز الرصاص واحتدام المعركة، لكن هذه المرة بأمر من الداعين الى المؤتمرات الخاوية ومن مصممي فلكلور الطاولات الحوارية الفارغة، العظمى منها والصغرى، مدعومة بالصعاليك المقاتليين. ومن أمكنه حسم المنافسة خاض القتال الأخير على الحلبة السورية وحاز على لقب الطرف الثاني الى جانب الثابت(الى الأبد) بشار الأسد. الكل يحشد ما أمكن لحسم المنافسة، ينظم صفوفه وعتاده ويقوي تحالفاته ويمتن علاقته بمصدر دعمه، يثبت مؤيديه من بقي منهم ومن أرغم على البقاء.

الزهرة التي تلقحها الريح العابرة أوراقها باهتة. لكنك يا سورية زاهية أزهارك، ألوانها جاذبة. لقّحتك حشرات الكون الواهنة. تلك هي الحقيقة. والرهان على الثورة اليوم خاسر فهذا ليس زمانها، العقل أضناه التعب والفكر تاه ومن غيرهم قادر على حسم المعركة. إلى ذلك الوقت نستودع الله هذا الوطن الحبيب وشعبه الطيب.

السابق
سَجن امرأة أجبرت ابنتها على أكل الصابون وشرب مياه مالحة
التالي
الجامعة اللبنانية: عن طلاب فاسدين أكثر من الأساتذة!