الجيش والارهاب وثوابت المجتمع المدني

الوحدة الوطنية نقطة قوة الجيش، كما أن المؤسسة العسكرية ضمانة لفكرة الدولة ووحدتها. ومن حسن حظ لبنان واللبنانيين حاليا أن المؤسسة العسكرية موجودة وموحّدة، وترتكز الى عقيدة عسكرية تحدّد اسرائيل عدوا وتنطلق من معايير وطنية لا طائفية وتشاكس عبث المجتمع السياسي وتقتدي بثوابت المشترك بين اللبنانيين وترفض ثقافة الخلاف واعادة البلد الى زواريب الميليشيات كما تدرك ان معركتها الاساسية هي الحؤول دون اخذ الوطن الى المجهول او الى دويلات الطوائف والحروب الاهلية.

ونحن اللبنانيون نعرف أكثر من غيرنا ماذا يعني غياب المؤسسة العسكرية كما نعرف ما جرى للعراق مع حل المؤسسة العسكرية. وبالتالي الحفاظ على هذه المؤسسة وعلى قوّتها وحضورها هو على رأس أولويات المجتمع المدني الذي انحاز لها وصوّت لها وتأمّل خيرا بها، خصوصا وأن هذه المؤسسة مع قائدها الراحل الجنرال فؤاد شهاب هي التي بنت دولة لكل اللبنانيين وعزّزت العلاقة بين المركز والأطراف وأقامت مؤسسات من نوع مجلس الخدمة المدنية وديوان المحاسبة والتفتيش المركزي، كما أرست سياسات إصلاحية صانت استقرار الدولة التي ما كان يمكن أن تصمد مع ما مرّ به لبنان واللبنانيون رغم بعض الاخطاء التي وقعت بها الشهابية السياسية عندما لم تجعل من المجتمع المدني طرفا في صناعة التغيير والاصلاح ما أدّى الى تفرّد القوى الامنية والمحسوبين.
ومن أوراق قوة الجيش أنه لا يريد أن يكون لبنان أداة للخارج كما لا يريد الذهاب الى معارك وهمية. ويطالب المجتمع السياسي: “تبادلوا التنازلات”، فالمطلوب قرار وطني واحد خصوصا في ظل ما يتيحه الانقسام الحاد من معطيات الفتنة الداخلية ومن تفكك الدولة ومن انتشار الفكر الديني المتطرف وتحديدا انتشار “القاعدة” واعتبار لبنان ساحة من ساحاتها الجهادية. ووحدة القرار الوطني تساعد الجيش على ادارة معركته في الاتجاه الصائب. اما الانقسام الحاد فانه يعطل حركية الجيش وخصوصا عندما يكون هناك قراران، قرار للموالاة وقرار للمعارضة.
المتطرفون في الغرب يعتبرون أنّ الإسلام مصدرٌ للإرهاب وصاموئيل هينتنغتون في كتابه صدام الحضارات يروّج للصدام بين الحضارتين الغربية والإسلامية. كما أنّ “القاعدة” تقول بأنها تجاهد ضد النصارى واليهود والشيعة بنفس المرتبة وتعتبر من لا يؤيدها من اهل السنة مرتدا كما تكفـِّر من لا يشاركها من التنظيمات الإسلامية فهمها لمبدأ الحاكمية بالله أي تطبيق القوانين الإلهية كما يحصل بين “داعش” و”النصرة” مثلا. وفي حال كهذه، حماية الصيغة اللبنانية وتغليب ثقافة المشترك هو الردّ الفعلي على التلاقي بين المتطرفين في الغرب وبين المتطرفين في الإسلام لأن هذا التلاقي يهدد الصيغة اللبنانية القائمة على حوار الحضارات والأديان كما يقول الإمام السيد موسى الصدر وكما يعتبرها البابا بنديكتوس السادس عشر رسالة للعالم. وبهذا المعنى أن المؤسسة العسكرية هي ضمانة هذه الصيغة.
ما هو ايجابي حاليا ان الموالاة والمعارضة تلتقيان على مساندة وتأييد الجيش. ومثل هذا التلاقي ينبغي تثميره في المسألة السياسية عبر سحب سياسات التحدي في العلاقة بين فريقي 8 آذار و14 آذار. فاذا كانت قوة الجيش في تعزيز الوحدة الوطنية فان ثقافة الخلاف والتجاذب لا تذهب في هذا الاتجاه. هذا اولا.
ثانيا من هنا نطالب المجتمع السياسي بان لا يستخدم المنابر الاعلامية وتحديدا المرئية كمنابر طائفية، فالوقوف الى جانب الجيش يعني احترام التنوع والمشترك بين اللبنانيين.
ثالثا تلطيف الخطاب السياسي لكافة الاطراف والابتعاد عن العبارات النابية والمسيئة.
رابعا الجيش اللبناني اداة تحقيق الامن وضمانة الوحدة وهو مثال يحتذى في الممارسة والاداء والانتماء المستندة الى عقيدته الوطنية التي تعتبر اسرائيل هي العدو لكل اللبنانيين. وارتكازا الى هذه العقيدة هناك ضمانة لعودة مزارع شبعا والحؤول دون التوطين ومصادرة اسرائيل لمياه الجنوب والحؤول دون الاعتداءات الاسرائيلية. وهكذا من مصلحة اللبنانيين جميعا ان يكون  تضامن اللبنانيين ركيزة اساسية في استراتيجية لبنان الدفاعية الى جانب الجيش اللبناني خصوصا في ظل السياسات الدولية التي لا تستبعد تمزيق لبنان الى دويلات متناحرة خدمة لاسرائيل إذا اقتضى الأمر.
خامسا في الإلتفاف حول الجيش لا بد من تعزيز فكرة الدولة المدنية الجامعة والقادرة والعادلة.
سادسا المواطنة على أساس أننا مواطنون في وطن لا مواطنون في طوائف هي المدخل الأساسي للتعبير عن الإلتفاف حول الجيش.
سابعا تبنـّي خطاب إعلامي هادئ وعزل الطوائفيين والمتطرفين عن الشاشات.
أخيرا إن استشهاد النقيب الياس خوري والجندي حمزة فيتروني والرقيب محمد دندش من الأمن الداخلي هو ما يعكس التواصل الفعلي بين المؤسسة العسكرية والمجتمع المدني. كما هو تعبير جسَّده هؤلاء عن أن الفاكهة التي ينتمي إليها الشهيد خوري وبعلبك التي ينتمي إليها الشهيد فيتروني والعين التي ينتمي إليها الشهيد دندش والهرمل ضحية الإنفجارات كلها تنتمي إلى نسيج واحد يعترض على الإرهاب. وما فعل التعزية التي قام بها أهل عرسال ووالد الشهيد العرسالي عبد الله عز الدين  الذي قضى بانفجار بئر حسن لأهالي الشهداء  إلا الدليل على ذلك وعلى كون البقاعيين واللبنانيين جميعا يحتضنون المؤسسة العسكرية ويغلقون باب البيئة الحاضنة للإرهاب.
ان المجتمع المدني ومؤسساته وهيئاته هي الإمتداد المدني  والإجتماعي والعسكري للمؤسسة العسكرية التي هي خشبة الخلاص وهي الضمانة من عبث الإرهاب والتطرف.

 

السابق
الأخبار: جلسة «البيان الوزاري» أمس كانت مجرد مسرحية
التالي
قتل حزب الله الفلسطينيين باليرموك شرارة قد تحرق كل لبنان