هل أحرَق سليمان مراكبه آخر العهد؟

توقفت المراجع السياسية والديبلوماسية امام السقف العالي الذي اطلّ به رئيس الجمهورية من الكسليك امس، وتعدَّدت القراءات في أسباب اللهجة القاسية التي استخدمها فظنَّ كثيرون انه أحرق المراكب التي يمكن أن تعيده الى قصر بعبدا، لأنه ذهب بعيداً في مواجهته مع الثنائي الشيعي. لكنّ ما أراده الرئيس ميشال سليمان لا يقف عند هذه العناصر السطحية، فما الذي أراده؟
شكَّك كثيرون في صدقية ما ردَّدته وسائل الإعلام أمس الأول نقلاً عن رئيس الجمهورية في طلبه المباشر بإعداد خطاب المغادرة من قصر بعبدا. لكن، سرعان ما خفَّت نسبة التشكيك في صحة الطلب ومضمونه فقطعوا الشك باليقين عندما استمعوا اليه متحدثاً من على منبر جامعة الروح القدس في الكسليك، في خطاب ظهر فيه وهو يكرّر بعضاً من نصائحه ويعدّد ملاحظاته القاسية تجاه مَن تراجعوا عن الإجماع الذي تحقَّق على طاولة الحوار حول «إعلان بعبدا» واعتبره «من الثوابت، وبمرتبة الميثاق الوطني، يسمو على البيانات الوزارية، التي ترتبط بالحكومات»، وصولاً الى انتقاده «تشبث البعض بمعادلات جامدة تعرقل صدور البيان الوزاري»، فأيقنوا أنّ رئيس الجمهورية لا يمزح ولا يخادع ولا يهادن.أمام هذه القراءات، سارع البعض الى اعتبار أنّ سليمان قد قرَّر المواجهة في كل الإتجاهات وهو في نهاية العهد. واعتقد آخرون أنّه استعار خطاباً في مواجهة الثنائي الشيعي «امل» و»حزب الله» ونيابة عن الأكثرية الصامتة التي بدأت تتلمَّس مخاطر الخروج على «إعلان بعبدا» منذ أن باتت مناطقهم مغناطيساً جاذباً للسيارات المفخخة والإنتحاريين وصولاً الى عودة الطائرات الإسرائيلية لتعربد في الأجواء اللبنانية على وقع التهديدات للدولة اللبنانية وتحميلها مسؤولية ايّ عمل عسكري يقوم به «حزب الله» او أيّ محاولة لخرق التوازنات القائمة.

وعلى هذه الخلفيات، يقول زوار سليمان إنّه تجاوز في خطابه امس كل هذه القراءات السطحية. فالخطاب كُتب قبل ايام عدة ولم تكن المواقف التي اطلقت امس وقبله على سبيل المزايدة قد صدرت بعد، لكنّه كان يترقبها من خلال الظروف التي رافقت تأليف الحكومة الجديدة على مدى الأشهر العشرة الماضية، ومن خلال إصرار البعض على المضي في الرهانات الخاطئة، ومن غيّ البعض في التورط بعيداً في وحول الأزمة السورية من دون التطلع الى سلبياتها.

ويضيف الزوار أنّ رئيس الجمهورية أراد من خلال إشارته عن سموّ «إعلان بعبدا» عن البيانات الوزارية الى مرتبة اعلى، أن يؤكد للقاصي والداني أنّ هناك ثوابت وطنية تسمو على السياسي والآني منها، وهو يراقب الإنقلابات في المواقف والتلاعب بما كان يسميه هذا الفريق او ذاك من الثوابت والمعادلات الوطنية والذهبية، بمجرد الإيحاء من داخل او من خارج، وهو اراد القول إنّ المعادلة الذهبية الدائمة التي لا تزول، هي تلك التي تحمي الأرض والشعب والقواسم المشتركة بين اللبنانيين من كل الطوائف والمناطق، وليست المقاومة التي راحت بعيداً في اتجاه بعيد من الإحتلال الإسرائيلي.

وأراد سليمان – حسب زوراه – أن يلفت نظر الجميع الى أنّ تجاوزه «إعلان بعبدا» في البيان الوزراي بالصيغة التي أُقرت، هو دعوة صريحة الى تجاوز العقدة الثانية المتمثلة بالمقاومة والخروج من نفق الشروط والشروط المضادة لمواجهة ما هو أخطر وأدهى. وأراد سليمان كذلك أن يقول لهم إنّ الحماية الدولية توفّر الحماية لجميع اللبنانيين بمن فيهم المقاومة نفسها، لأنه متى سقطت حدود الدولة في التعاطي مع العالم الخارجي تسقط كل المحرّمات.

وقد أراد رئيس الجمهورية القول لهم جميعاً إنّ الخطاب له مهمة اكبر من أن يكون في نهاية ولاية لا في بدايتها، فهو يؤسّس للولاية الجديدة التي سيرعاها رئيس جديد. فهذه هي قناعاته: لا يريد تدوير الزوايا ولا يريد عطفاً وتملقاً من أجل تمديد، وأنّ مَن اراد أن يوافقه يمكن أن يلاقيه، ومَن يرفض فليتحمَّل المسؤولية امام الله والوطن والتاريخ.

السابق
حكومة الأضداد
التالي
بوتين يخسر روسيا أولاً