الأغاني: حرام علينا حلال على غيرنا؟!

التشدّد حيال الفنّ سببه على الاغلب ليس تقليد الماضي بقدر ما هو تنميط للشخصية الاسلامية وتشكيلها الخارجي وفصلها عن الاجواء المنفتحة واللاهية. فلماذا ظُلِم الفنّ الملتزم قضايا الناس وهمومهم كالشيخ امام واحمد فؤاد نجم وغيرهم الكثير الكثير؟

أطلّ الشيخ نجيب صالح في برنامجه المسائي على تلفزيون “المنار” ليجيب على أسئلة المشاهدين. جاءه اتصال من احدهم حول سبب حرمة الاغاني. استمهله الشيخ لأنّ “الامر يحتاج شرحا”، الا انّه، وبكلمات قليلة، أجابه ان “ليس كل الغناء حراما وذلك بحسب الشخص”.

هنا لفتني كلامه، واسترعى انتباهي قوله ما معناه انّ “الوقت لا يتسع للشرح”. فأقفل الموضوع وانتقل الى حديث عن الثورة الاسلامية والولي الفقيه لمناسبة ذكرى انتصار الثورة الـ35.

تبادر الى ذهني أنّ السبب في استطراده هذا هو التلميح الى الفنانة الكبيرة فيروز وابنها زياد والى مارسيل خليفة وأميمة الخليل وجوليا بطرس وخالد الهبر و… وكل من يغني الاغاني الوطنية.

فقد أفاد تقرير أذيع على احدى المحطات التلفزيونية أنّ الشهيد عماد مغنية “كان يستمع إلى أغاني مارسيل خليفة”.

هذه الخبرية ليست بجديدة اصلا لأنّ عددا كبيرا من شباب حزب الله يستمعون الى مارسيل خليفة، وزياد الرحباني، واحمد قعبور، وخالد الهبر…

في عرس حضرته قبل أسابيع، لفتني تحريم التصفيق خلال قراءة المولد النبوي: “لأنّ الوليّ الفقيه السيد علي خامنئي حرّم ذلك”. اللافت أنّ الاغاني التي يحفظها الملتزمون دينيا، ولكثرتها، في الفترة الاخيرة، باتت تعتمد في عدد كبير من موسيقاها على ألحان مطربين معروفين. ومجرّد الاستماع إلى اللحن، يعرف المستمع فورا لمن تعود هذه الاغنية او تلك.

في مرحلة ما بعد انتصار أيّار 2000  وتموز 2006 صدر العديد من الاناشيد والاغاني الحماسية الطابع التي تغنيّ النصر والانتصار والعزة والجنوب والشهداء والكرامة والارض. وكان لافتا اغنية جوليا بطرس الرائعة (أحبائي) التي استوحاها الشاعر غسان مطر من رسالة كتبها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله الى المقاومين خلال معركة تموز 2006. الا انّ “تلفزيون المقاومة”، أي “المنار”، لم يذعها ولم يبثّها رغم تصويرها على طريقة الفيديو كليب، ورغم ان جوليا ارتدت فيها لباسا محتشما، ورغم انّها تبرّعت بمردودها المالي كله الى عوائل شهداء حرب تموز.

لماذا؟ لا احد يدري.

ربّما لأن امرأة تغني وليس رجلا. فـ”لا يجوز ان نستمع الى صوت امرأة تغني، فصوتها عورة”!

فيما مضى سجّل العديد من الملتزمين دينيا  بعض التعليقات على استقبال السيد محمد حسين فضل الله للشاعر والملحن الكبير منصور الرحباني.

والسؤال: هل إنّ سرقة الالحان وتركيب الكلام الاسلامي عليها يُحلل هذه الاغاني؟ وهل إنّ الحرمة هي في الكلمات؟ فإذا كانت بالكلمات فكيف نكتب الشعر الغزلي؟ ونستمع اليه ونطلق العنان له من على المنابر؟ وان كانت الحُرمة بصوت المرأة فكيف تقرأ سيداتنا مجالس العزاء وتصدح به على أعلى منبر في الحسينيات؟ وهل ان الحُرمة تقع في اللحن؟ فالموسيقى الايرانية تغوي وتُسكر كما الموسقى الغربية والعربية بل اكثر!

من يُقرر الحليّة والحُرمة؟ لا أحد يدري. فالجواب الثابت عند العلماء على الدوام هو أنّ الاغاني تصير حراما عندما تؤدّي الى الفساد. فما هو الفساد؟ ومن يحدّده؟ وهل إنّ الاغاني التي نستمع اليها في الموالد الاسلامية حرام (والتي هي تعبير تمويهي للاعراس) لأنّها تحمل كل معاني البهجة والفرح؟

احد العارفين بالفقه الاسلامي، والفني في الوقت عينه، قال يوما ان “الاغاني بالاساس ليست حراما، لكن جرى تحريمها في مرحلة الحكم العباسي لما كان لها من دور في انتشار اللهو والبعد عن الدين. لكن التشدد الحالي سببه على الاغلب ليس تقليد الماضي بقدر ما هو تنميط للشخصية الاسلامية وتشكيلها الخارجي وفصلها عن الاجواء المنفتحة واللاهية”.

فلماذا ظُلِم الفنّ الملتزم قضايا الناس وهمومهم كالشيخ امام واحمد فؤاد نجم وغيرهم الكثير الكثير؟ ولماذا خاف القيمون على المجتمع الاسلامي الشيعي من الانفتاح الفني الآخر، فعمد الى إعمال “البلوك” احترازا؟ وإلى متى سنظلّ نمنع الحلال خوفا من الانحراف؟ وهل إنّ الحرية مؤجلة في الآفاق الفنية إلى حين تأسيس دولة اسلامية في لبنان؟

السابق
«جنيف 2» مقدمة لمزيد من إراقة الدماء في سوريا
التالي
العداء بيستوريوس قتل صديقته في «يوم الحب»