حازم صاغية يردّ على مقال زينب صالح

نشر الكاتب حازم صاغية في موقع "ناوليبانون" مقالا يردّ على مقال للزميلة زينب صالح نشرته في موقع "جنوبية" في 5 شباط الجاري. وعنون صاغية: "لا دمشق ولا جبل عامل"، ردّا على النصّ المعنون: "بالضاحية بعض الأمان.. وجبل عامل الأكثر أمانا".

حملت نشرة “جنوبيّة” مقالاً لسيّدة تُدعى زينب صالح، عنوانه: “بالضاحية بعض الأمان.. وجبل عامل الأكثر أماناً”. http://janoubia.com/152348

المقال لم يسترع انتباه كثيرين، مع أنّه يستحقّ ذلك.

فهو يجمع بين أصوات أربعة:

أوّلاً، صوت التفجّع، على غرار: “الموت في وطني صار تتابعيّاً. الكلّ معرّض لأن يكون شهيد التفجير التالي، أو أحد أهل الضحايا. صارت الحياة منّة من الصدف أو الأقدار. ألاّ تكون متواجداً ساعة التفجير في المكان الذي احترق نعمة كبرى: “كتب لك الله عمراً جديداً”، يقولون.

كنّا نتألّم لحال العراق. نقول: “كيف يعيش العراقيّون، كلّ ساعة تفجير”. صرنا نشاركهم المأساة عينها الخ…”.

ثانياً، صوت الصمود وراء حزب الله وفي صفّه، ومن ذلك: “لكنّ ما يميّز أهل الضاحية والجنوبيّين وشعب المقاومة أمر واحد لا يتغيّر. يتعاطون مع الموت وكأنّه لحن أيّام لا بدّ أن تُعاش. حقيقة تفسّرها عبارة جديدة دخلت قاموسهم إلى جانب: “فدا صرماية السيّد حسن”، تزامناً مع قرار حزب الله قتال الجماعات التكفيريّة في سوريّا: “لبّيك يا زينب””.

ثالثاً، صوت المشكلة التي توضح سبب التفجّع، وهو تحديداً ما يحمل النبرة الجديدة: “كانت الضاحية مكاناً آمناً للكثيرين، باتت خطراً هذه الأيّام. كان رجال حزب الله فيها مصدر حمايتها من أيّ تفجير قد يصيبها.

صاروا عرضة لأعمال هجوميّة. ربّما لأوّل مرّة قد يشعر ابن الضاحية أنّ “رجال الله” أمام تحدٍّ كبير، أكبر من تحدي تموز 2006. في حرب تموز كان العدو واحداً، مصدره فلسطين المحتلّة. كانت حرباً يخوضونها في أماكن معيّنة، باتوا الآن يخوضون حروباً كثيرة، منها تأمين الأمان لشعبهم.

باتت أيّامنا مفتوحة على احتمالات عديدة، بل وعلى صفحات التاريخ والأحاديث الدينيّة التي نحاول أن نستمدّ منها بعض الأخبار. الكلّ عاجز اليوم عن زرع الطمأنينة في النفوس. لا دين للتكفيريّين، لا شيء قد يثنيهم عن “تناول الغداء مع الرسول”!. لم يعد الأمر حصراً بسيّارات مفخّخة. هنا تكمن المعضلة!

حتى كتب التاريخ ليست مصدراً للاطمئنان: “هذه علامات آخر الزمان. ما زلنا في أوّل الطريق”. عبارة يتناولها الجميع. مصدرها خطب كثيرة للرسول محمد (ص) وللإمام عليّ (ع)”.

رابعاً، وهو صوت الاستخلاصات العمليّة: “بغضّ النظر عن صحّة الأحاديث أو المصادر أو دقّة ما يُنقل وعدم تجرّده من “بهارات” الخوف والسياسة: “جبل عامل ستصبح المنطقة الوحيدة الآمنة”.. هذا لسان حال الجميع. عبارة تصوّر الخوف الذي قد يصبح واقعاً، أو ربّما أصبح”.

الصوت الثاني تكراريّ، لا يضيف جديداً، وقد يكون من نوع الكلام الذي “ينبغي” أن يقال لكي يتيح إمرار الأصوات الأوّل والثالث والرابع.

الصوت الأوّل يعلن حلول الخوف حيث حلّت طويلاً النزعة الانتصاريّة، بل الطاووسيّة في انتصاريّتها: الضاحية التي كانت مخيفة غدت خائفة. الذين كانوا يحقّقون الانتصار تلو الآخر صارت حالهم كحال العراقيّين…

الصوت الثالث يقول إنّ ما من شيء يحمي: فحزب الله نفسه صار عرضة للاستهداف وصار مطلوباً حمايته. حرب تمّوز وعِبرها لا تفيد إذ اختلفت اللعبة. لا أحد يزرع الطمأنينة في النفوس بما في ذلك كتب التاريخ. لا دين للتكفيريّين وما من شيء يثنيهم عن شيء. هذه علامات آخر الزمان وما زلنا في أوّل الطريق.

الصوت الرابع يستنتج: ما من أمن لنا، نحن الجنوبيّين، سوى في العودة إلى الجنوب، إلى جبل عامل.

الاستنتاج الذي توصّلت إليه زينب صالح، وعلى الأرجح كثيرون وكثيرات غيرها، مؤلم جدّاً. فالطبيعيّ والصحّيّ أن يعيش من انتقلوا إلى الضاحية في الضاحية، وأن يعيشوا مواطنين آمنين وأعزّاء لا يخافون ولا يخيفون. ذاك أنّ السكّان حين يعيدهم خوف الموت إلى قراهم يكون ذلك إعلاناً عن هزيمة لم تنزل بهم وحدهم، بل أطاحت أيضاً إمكان التواصل والاجتماع بينهم وبين سواهم، أي إمكان الوطن. أفلم يكن ممكناً تفادي تعريضكِ، يا زينب، وتعريض باقي الضحايا لخيار كهذا؟ أفلم يكن ممكناً تجنّب “الحلّين” البائسين المتطرّفين: الرحلات المظفّرة والمسلّحة إلى بيروت، ثمّ إلى دمشق، التي تُخيف الآخرين، وبعد ذاك الشعور بخوف يدفع إلى رحلة الاحتماء بجبل عامل؟

السابق
قاعة للرسم في مركز عيتا الشعب
التالي
المحكمة الدولية تعقد جلسة للنظر بإمكانية ضم قضية مرعي لقضية عياش وآخرين