هل ما زال تفاهم حزب الله والتيار الوطني الحر حاجة لطرفيه؟

لم يكن “حزب الله” ليفوّت ذكرى توقيع التفاهم الشهير بينه وبين “التيار الوطني الحر” من دون ان يلقي الأضواء ولو بشكل عابر على هذا الحدث من مدخلين اثنين:

الأول: ان هذا التفاهم الممتد منذ ثماني سنوات ما زال يفعل فعله ويحافظ على نضارته وحيويته الى درجة ان التزام الحزب له كان وراء “صمود” زعيم التيار العماد ميشال عون في معركته بتأليف الحكومة العتيدة، وأدى هذا “الصمود” الى خلاصتين: الأولى انه فرض على الحزب أن يفرض موقفه بدعم عون على حليفه الأساسي حركة “أمل” رغم ابداء زعيمها الرئيس نبيه بري عدم رضاه عن نهج عون، والثانية انه أخّر ولادة الحكومة السياسية الجامعة التي كان ينبغي لها أن تبصر النور منذ اسابيع عدة.
الثاني: ان هذا التفاهم صمد واستمر رغم ان كثيرين راهنوا على انه آني وظرفي وعابر قياساً على تفاهمات سبق ان انعقدت بين قوى وتيارات لبنانية، اذ لم تدم سوى فترة قصيرة وانفرط عقدها تحت وطأة التطورات.
وبالطبع ثمة من ذهب في رحلة بحث وتقصٍ عن الأسباب والموجبات التي جعلت هذا التفاهم يصمد طوال الأعوام الماضية ويستمر رغم انه مرّ بظروف صعبة وخضع لتجارب عدة كان يمكن أحد طرفيه أن ينفلت ويتحلّل من موجباته ويتحرر ويبدأ البحث عن تحالفات وتفاهمات أخرى.
وكما هي العادة يمكن المراقبين ايجاد اكثر من سبب وعلة ابرزها:
– ان الظروف والمعطيات والوقائع أملت على سيد الحزب السيد حسن نصرالله وزعيم التيار العماد عون ان يذهبا الى كنيسة مار مخايل الفاصلة بين المنطقتين المسيحية والشيعية ويظهران معاً امام العدسات وهما يوقّعان هذا التفاهم.
فالبعض وصف هذا التفاهم الوليد يومذاك بأنه اتفاق الضرورة بين طرفين يسعى خصومهما الى تضييق الخناق عليهما في محاولة مكشوفة لمحاصرتهما تمهيداً لتهميشهما، وتقليل حضورهما الى حد الانعدام.
فلم يعد خافياً ان “حزب الله” كان في وضع سياسي صعب يوم ابرم تفاهمه مع عون. فالذين ساروا معه في “التحالف الرباعي” تركوه شبه وحيد بعد ان أمّنوا الأكثرية في مجلس النواب وبعدما قبضوا على زمام الحكومة بيد من حديد، وبدأوا في عملية ابتزاز ومضايقة له.
وقبل الحزب كان تحالف 14 آذار قد مارس سياسة التهميش والابعاد عليه كما على العماد عون، اذ عرضوا عليه بداية حفنة نواب لكي يأخذوه معهم وثم ابعدوه عن التمثل في الحكومة رغم انه حاز الاكثرية النيابية المسيحية بشكل كاسح لا شك فيه.
وهكذا شكّل التفاهم بالنسبة الى طرفيه درعاً وقائية وحصانة في وجه محاولات خصومهما جعلهما مجرد رقم غير صعب في المعادلة السياسية، ولقد أثبتت رحلة السنوات الثمانية صحة الرهانات على هذا التفاهم.
طبعاً تتباين القراءات حول ارباح وخسائر كل طرف من طرفي التفاهم جراء التفاهم نفسه ولكن السؤال الذي يبدو اكثر الحاحاً هو ما الذي اراده ويريده “حزب الله” من وراء هذا التفاهم ماضياً وحاضراً ومستقبلاً واستطراداً هل ما زال التفاهم اياه ضرورة للحزب بعدما صار لاعباً اساسياً في معادلة الداخل والاقليم على حد سواء وصار وفق ما يقوله خصومه عنه بمقدوره ان يبدّل سير الامور العسكرية في الساحة السورية بعدما صار شريكاً في الميدان هناك وبعدما صار له وجود في الساحة اليمنية كما يزعم هؤلاء الخصوم ايضاً؟
واستطراداً هل صحيح ان الحزب استخدم، كما يدّعي، ورقة تفاهمه مع التيار ليجد لنفسه عنصر أمان وحماية ومدى وطني يتنفس منه ويتحرك في خضمه؟
الثابت ان لدى قيادتي طرفي التفاهم قناعة ضمنية بأن كل منهما استفاد من هذا التفاهم الى اقصى الحدود وانهما حرصتا على ضبط أي خلاف وتباين بين مواقفهما حيال اي تطور ومستجد والحيلولة دون تحوله الى سجال اعلامي أو سياسي يأخذ طريقه الى العلن.
ولم يعد خافياً ان المأخذ الأساسي للتيار على الحزب هو:
– تواضعه السياسي وعدم رغبته في الذهاب في المواجهة مع الخصوم الى حد التفكير بكسر الآخر أو بكسر خطوط التماس معه، وهذا بالنسبة الى التيار ضيع فرصاً عدة للاطاحة بمعادلات قائمة وارساء أخرى بديلاً عنها.
– ان الحزب لم يكن حاسماً عند اشتداد وتيرة الخلاف بين التيار والرئيس نبيه بري وحركة “أمل” عموماً، وثمة في الغرف المعتمة لدى التيار كلام خفي عن مراعاة الحزب كثيراً للمصالح السلطوية للرئيس بري وفريقه واستعداده في سبيل ذلك ان يبرم صفقات عجولة مع الفريق الآخر وبالتحديد مع تيار “المستقبل” وهذا ما تجلى أكثر ما يكون في المفارقات التي تمخضت عنها فكرة حكومة الـ”8، 8، 8″ والمداورة في الحقائب الوزارية، والتي تم التفاهم عليها من دون ابلاغ عون بتفاصيلها، فكان موقفه الرافض لها بشراسة.
وفي المقابل فإن دوائر القرار في الحزب تحرص كل الحرص على عدم ابداء أية ملاحظات عن مسار التفاهم مع التيار وما ترتب عليه من نتائج على كل المستويات لا بل ان في اوساط الحزب تفهماً كاملاً لأهمية هذا التفاهم ولوقوف العماد عون الى جانب الحزب في مواقف صعبة بل وحرجة وعدم استجابته لاغراءات قدمت له للتحلل من هذا التفاهم، وهو ما اعتبره السيد نصرالله “أمانة في عنق الحزب الى يوم الدين”.
وبالعموم فإن الحزب لم يشكُ يوماً مما سماه البعض “شطحات” عون و”تعنتاته” وتصلبه، وخصوصاً في الاسابيع القليلة الماضية وبالتحديد عندما وافق تيار “المستقبل” على لسان زعيمه سعد الحريري على صيغة الحكومة السياسية الجامعة التي تضم كل الاطراف. فمع ان الحزب كان ينتظر هذه الصيغة ويعدها مكسباً أساسياً له، وهي تبدد كل مقولات تيار “المستقبل” الداعية الى عزل الحزب سياسياً، إلاّ انه وقف بقوة وراء العماد عون في اعتراضه على مبدأ المداورة، ومطالبته بحقيبة الطاقة. وعموماً لم يكن خافياً ان الحزب اعتبر ان اعتراض عون في محله ومطالبه أكثر من محقة، ولكن ولأسباب معروفة وهي تتصل بالشقاق المذهبي لم يكن بامكانه إلاّ أن يكون في الظل وراء عون.
وبالاجمال فإن الحزب ليس في وارد التفكير بالتخلي عن التفاهم في يوم، رغم تضخم دوره الداخلي والاقليمي ورغم تبدل الظروف والاجواء التي أملت عليه ابرام هذا التفاهم في 6 شباط عام 2005.
وليس الوفاء وحده هو الدافع الاول، بل لأن التفاهم كان جسر عبور للحزب الى ساحة لم يكن له فيها حضور واسع في السابق، هي الساحة المسيحية، تماماً كما كان التفاهم جسر عبور لعون وتياره الى المحور السوري – الايراني حيث صار عون في حسابات هذا المحور “الإبن المدلل”. ولا ريب ان عون يجد بعد تطور الاحداث في الساحة السورية وما اعتراها وتخللها من أنماط صراعات، لا سيما بعد انتشار الارهاب وظهور أفكاره المتطرفة ضد كل ما عداه، الفرصة ليزعم ان رهاناته من خلال مد جسور التفاهم مع “حزب الله” لم تكن خائبة أو خاسرة اطلاقاً، خصوصاً ان الحزب نجح ببراعة حيناً وبضربات الحظ حيناً آخر، في الافلات من كل شباك التهميش العربي والحصار التي نصبت حوله، وصار سفراء وديبلوماسيون غربيون يسارعون الى لقاء ممثليه بين الفينة والاخرى، رغم ان أوروبا وضعت أخيراً جناحه العسكري على لائحتها للمنظمات الارهابية.
ماذا أمام هذا التفاهم مستقبلاً؟ الواضح ان “حزب الله” ما زال مصرّاً على مسلكه السياسي المتواضع، ولا يريد الآن أبعد من حكومة سياسية جامعة يكون هو فيها جنباً الى جنب مع تيار “المستقبل” لأن ذلك برأيه يجعل التيار شريكاً له في مواجهة هجمة الارهاب.
أما الطرف الآخر في التفاهم، أي عون، فثمة من يقول إنّ أهدافه أبعد من ذلك وانه لا يحبذ التواضع اطلاقاً.

السابق
أفق مسدود
التالي
دراسات دولية عن النفط والغاز في لبنان