الحكومة بانتظار نتائج المعركة ‘المكتومة’ بين عون وجعجع

لم تؤد التنازلات المؤلمة من «حزب الله» و«تيار المستقبل» الى ضمان تشكيل الحكومة الجديدة بلبنان في المواعيد المتتالية التي حُددت لولادتها اخيراً. فرغم اضطرار القوّتين الشيعية والسنية الأبرز في البلاد، الى تجرُّع كأس التراجع عن شروط سابقة حالت دون الافراج عن الحكومة العتيدة على مدى عشرة اشهر، فان هذه الحكومة لم تبصر النور بعد. أما السبب فغالباً ما يتم التعبير عنه بـ «سطر واحد» هو ان زعيم «التيار الوطني الحر» العماد ميشال عون يشترط بقاء وزارة الطاقة بيد صهره جبران باسيل.
هذه «العقبة الكأداء» المتمثلة في رفض العماد عون لواحد من المعايير التي تم الاتفاق عليها في اطار التفاهم السياسي لتشكيل الحكومة، اي المداورة الشاملة في توزيع الحقائب، بدت وكأنها تهدد مصير «التسوية الحكومية» التي تحظى بتأييد «8 و 14 آذار»، رغم الاعتراض السياسي لـ «القوات اللبنانية» بزعامة الدكتور سمير جعجع عليها لأسباب تتصل بمشاركة «حزب الله» في المعارك الدائرة في سورية، واتجاه «القوات» الى البقاء خارج الحكومة عبر تفاهم منسّق مع حلفائها في «14 آذار»، ولا سيما «تيار المستقبل».
واستدعى موقف العماد عون باصراره على الاحتفاظ بـ «الطاقة» لصهره، واظهاره «ممانعة» في الاستجابة لرغبة حلفائه في تسهيل ولادة الحكومة، حركة اتصالات مكوكية لمسؤولين من «حزب الله» تحوّلوا «وسطاء» بين زعيم «التيار الوطني الحر» والرئيس المكلف تشكيل الحكومة تمام سلام وآخرين، في محاولة للبحث عن مخارج تتيح المضي قدماً في تشكيل الحكومة وتضمن موافقة العماد عون على المشاركة، التي من دونها لن يشارك «حزب الله» في الحكومة.
ورغم الطابع «العملاني» في لعبة توزيع الحقائب داخل الحكومة، فان اوساطاً على صلة بالمساعي الجارية لايجاد مخارج مقبولة لشروط عون، تعتقد ان موقف زعيم «التيار الوطني الحر» يتجاوز في خلفياته ما يحكى عن اهمية وزارة الطاقة وتمسكه باسنادها الى صهره الوزير جبران باسيل، او ما يثار عن امتعاضه من ادارة حلفائه في «8 آذار» لمفاوضات تشكيل الحكومة وتجاهله كـ «رافعة» لهذا التحالف.
ففي تقدير هذه الاوساط ان تَشدُّد العماد عون هدفه منافسة خصمة المسيحي، اي الدكتور جعجع، الذي أظهر قدراً من التماسك ازاء الرأي العام المسيحي بتمايُزه عن حلفائه ورفضه المشاركة في حكومة مع «حزب الله» ما لم يحصل على ضمانات مسبقة باعتماد الحكومة «اعلان بعبدا» في بيانها الوزاري، الامر الذي يمكن ان يحوّله «بطلاً» في الوجدان المسيحي.
ولفتت الاوساط عيْنها الى ان العماد عون «الممتعض» من حلفائه، مرتاح وهو يستقبل الوسطاء كـ «مُحاور مسيحي اول» في شان الحكومة التي لن تتشكل من دونه، لان قبوله التلقائي بما حُجز له من حقائب، كان من شانه ان ينقل العدسات الى معراب حيث مقر جعجع ويجعل من الاخير الواجهة المسيحية للمواجهة السياسية، مما يتيح لزعيم «القوات اللبنانية» دفْن ما كسبه عون في معركة ما عُرف بـ «القانون الارثوذكسي» وتعزيز رصيده الشعبي في البيئة المسيحية.
واذ رأت هذه الاوساط ان المعركة الحالية في تشكيل الحكومة هي مسيحية – مسيحية، وعلى قاعدة مَن يوافق اولاً على الانضمام الى هذه التسوية «الموْضعية»: عون ام جعجع، فانها بدت مطمئنة الى ان قطار الحكومة المتعثر سيعاود الاقلاع وعلى متنه الجميع، وخصوصاً في ظل الحاح دولي على ضرورة حماية استقرار لبنان من بوابتيْ تشكيل الحكومة والاستحقاق الرئاسي، وهو ما تعبّر عنه «حيوية» السفير الاميركي في بيروت ديفيد هيل.
فالمعلومات المتوافرة في بيروت تشير الى ان هيل أجرى مشاورات في باريس مع عدد من المسؤولين عن ملف لبنان، واستكملها مع الرئيس الحريري في العاصمة الفرنسية، قبل ان يلتقي في بيروت رئيس الجمهورية ميشال سليمان والرئيس نجيب ميقاتي والرئيس المكلف تمام سلام والعماد عون والرئيس فؤاد السنيورة والنائب وليد جنبلاط ثم الرئيس نبيه بري (زاره امس)، وسط تقارير اشارت الى ان السفير الاميركي سيتوجه في الساعات المقبلة الى السعودية للقاء المسؤولين عن ملف لبنان.
وبحسب هذه التقارير فان هيل عبّر امام مَن التقاهم عن تحبيذ واشنطن تشكيل حكومة سياسية جامعة، معتبراً ان حكومة محايدة لا تحظى بتوافق اللبنانيين «قد تؤدي الى تعطيل الاستحقاق الرئاسي» الذي تعتبره الولايات المتحدة محطة مفصلية لا يجوز التفريط بها.
وبعدما وصفت أوساط سلام ما نقلته عنه احدى الوكالات الاجنبية من انه يمنح «حزب الله» يومين او ثلاثة والا سيشكّل الحكومة من دونه بانه «يفتقد الى الدقة» مشيرة الى ان الاتصالات لا تزال مستمرة لفكفكة العقد ولا بد من استنفاد كل الفرص قبل حسم الموعد النهائي لاعلان الحكومة، لفت نصح رئيس كتلة نواب «حزب الله» محمد رعد المعنيين بعملية تأليف الحكومة بعدم الاستعجال، مشيراً الى «ان بقاء مكون أساسي خارج الحكومة في هذه المرحلة، خصوصاً اذا كان يحقق تمثيلاً وازناً للمسيحيين (يقصد عون) معناه ان هذه الحكومة سيكون مشكوكاً في ميثاقيتها»، لافتاً الى ان الذي صبر تسعة اشهر يمكنه ان يصبر تسعة أيام.
وفي موازاة ذلك، نُقل عن الرئيس بري انه مشمئز من محاولات ارضاء عون على حساب الحصة الشيعية، استناداً الى ما يتردد عن امكان اعطائه مقعداً شيعياً، وسط اعتبار اوساط مراقبة ان عون يرفع سقف شروطه بالحديث عن رغبته بحقيبة سيادية في محاولة للمقايضة على احتفاظه بوزارة الطاقة تحت عنوان «التمثيل المسيحي الصحيح» وان المداورة لا تصلح «لحكومة أشهر قليلة».

السابق
وحدة مختارة شكّلها مغنية تحمي نصر الله
التالي
كفروة… الغارقة في سكونها المميَّز