معسكرات أطفال ل«داعش» و«النصرة»: أبناء المهاجرين حراس صهاريج النفط

اطفال جبهة النصرة

بعد سيطرة الثوار على مناطق واسعة في الشمال والشرق السوري، أصبح طبيعياً أن تفتح الفصائل الإسلامية وكتائب الجيش الحر التي تعمل على الأرض، معسكرات تدريب لتجهيز دفعات جديدة دائماً من العناصر المدربة لتغطية النمو المستمر في حجم هذه الحركات والكتائب.
في ريف حلب الغربي وبالقرب من بلدة دارة عزة افتتحت إحدى الحركات الإسلامية الصغيرة معسكراً تدريبياً، لتستقبل فيه المتدربين من مختلف الأعمار والفئات من الراغبين بالانتساب إلى هذه الحركة، ليخضعوا أثناء معسكر التدريب إلى دورات عسكرية وتدريبات لياقة بدنية، إضافة إلى دروس شرعية يتم من خلالها تعريفهم إلى أسس الفكر الجهادي بعد القيام بعملية ترميم لعموميات العقيدة الإسلامية والعبادات لدى المتدربين.
الغريب في معسكر الحركة أنه يضم جنباً إلى جنب أعداداً كبيرة من الأطفال مع الشباب والرجال المتدربين، الأكثر غرابة أن الأطفال المتدربين في المعسكر هم أصغر من أن تقوى أجسادهم الغضة على حمل البندقية وتحويلها من مكان إلى آخر، فبعض الأطفال المتدربين لا تناهز أعمارهم السنوات السبع!
هؤلاء في الغالب هم أطفال لعائلات جاءت مع من يعيلها «المجاهد المهاجر» إلى سورية للقتال، فقد تجد في المعسكر أطفالاً من طاجيكستان وأوزبكستان وقرغيزستان وماليزيا وغيرها، وعلى رغم أن وضع هؤلاء الأطفال في مكان لا يوجد فيه إلا تلك الدواليب المشتعلة التي يركض المتدربون بينها، فإن وجودهم في المعسكر يضفي جواً خاصاً عليه!
أحمد ذو التسع سنوات هو طفل «طاجيكي» يتكلم لغته الأم «الطاجيكية»، إضافة إلى التركية والروسية والعربية بطلاقة، ويقوم بالترجمة للمقاتلين الأتراك والشيشانيين الذين لا يجيدون العربية، فكلما احتاج أحدهم إلى مترجم للتواصل مع شخص سوري في المعسكر يتم النداء على أحمد الذي يركض مبتسماً إلى مكان وقوفهما، ليقف بينهما وينظر إلى الأعلى بانتظار أن يتكلم أحدهما ليترجم كلامه للآخر، بعد أن ينهي أحمد مهمته ينصرف راكضاً إلى أصدقائه من أطفال المهاجرين الآخرين ليكمل اللعب معهم.
بعد أن ينهي الأطفال الأكبر سناً بقليل من أحمد معسكرهم التدريبي، يتم فرزهم إلى أعمال تخدم الحركات التي يتبعون لها، ربما يتم إيقافهم على الحواجز، أو وضعهم كحرس على أبواب المقار، أو تكليفهم بأعمال خدمية «كالتنظيف والغسيل وصنع الشاي والقهوة».
تروي أم عزيز «وهي أربعينية سورية من مدينة الرقة»، أنها دخلت في شهر أيلول (سبتمبر) الماضي من الحدود التركية باتجاه سورية عبر معبر «تل أبيض الحدودي»، بعد أن تجاوز زوجها بسيارته حواجز حركة أحرار الشام الإسلامية التي تسيطر على المعبر بكيلومترات عدة، أوقفهم حاجز لتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام «داعش» وإذا بطفل لا يتجاوز الثالثة عشرة من العمر يطلب من زوجها أن يفتح صندوق السيارة الخلفي للتفتيش، ليتجه الطفل المقنع إلى الخلف، ويبدأ بتفحص الحقائب التي حملتها العائلة من تركيا، بعد دقيقتين، يعود الطفل المقنع وقد علّق بندقيته على كتفه وحمل بيديه «لعبة» هي عبارة عن سيارة بلاستيك حمراء ضخمة، ليقف في شكل مواجه لشباك السيارة المقابل لمكان جلوس أم عزيز ويسألها قائلاً: «خالة… بتسمحيلي آخد هي السيارة؟».
تصف أم عزيز العَبْرة التي داهمتها في تلك اللحظة، تقول: «إنها أحست بعظم مأساة هذا الطفل الذي كان جلّ ما تمنى الحصول عليه من هذه الدنيا هو سيارة بلاستيك حمراء، لكنه أعطي بندقية سوداء بدلاً منها».
ياسين وهو شاب ثلاثيني من حلب يعمل في جبهة النصرة، يروي أنه طُلب منه أن يخرج كمرافق لرتل تابع للجبهة سيذهب من حلب إلى دير الزور لجلب النفط من آبار تسيطر عليها الجبهة بصهاريج من هناك. فوجئ ياسين بأن طُلب منه أن يصطحب ستة صبيان «تتراوح أعمارهم بين عشرة وأربعة عشر عاماً» كمرافقين مسلحين مع آخرين معه لحماية رتل الصهاريج من عصابات التشليح والنهب.
ليلاً وبعد سفر استمر أكثر من عشر ساعات اقترب رتل الصهاريج من الوصول إلى وجهته «بلدة خشام شرق دير الزور»، كان الأطفال المسلحون «المكلفون حماية الرتل» قد غطّوا في نوم عميق في السيارات بسبب الإرهاق الذي أصابهم نتيجة السفر الطويل، وإذا بحاجز ضخم يوقف رتل الصهاريج ويطلب من السائقين النزول وتسليم الصهاريج فهي محتجزة لمصلحة تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام «داعش» لحين حل خلاف بين التظيم وجبهة النصرة على اقتسام عائدات هذه البئر الذي توجهت الصهاريج لتعبئة خزاناتها منها.
بعد جدل اقتنع السائقون بأن لا مفر من التسليم، ليخبر أحدهم أحد مسلحي تنظيم «داعش» بوجود «أطفال مسلحين في الصهاريج كمرافقين للرتل»، يبتسم المسلح التابع لتنظيم «داعش» ويتوجه إلى الصهاريج، ليفتح أبوابها واحداً تلو الآخر موقظاً الأطفال النائمين، وطالباً منهم النزول لأنه تم احتجاز السيارات التي كلفوا حمايتها، يروي ياسين أن بعضهم لم يستجب لنداءات المسلح التابع لـ «داعش»، ما اضطره إلى احتضانهم وحملهم بيديه ووضعهم في سيارات أخرى ليكملوا نومهم.
بين السكان تكثر القصص التي تروي الحال الذي وصل إليها الأطفال الذين تم ضمّهم إلى الفصائل المقاتلة في سورية. فقد تم تسليح أطفال لا يقوون إلا على اللعب واللهو، والحجة التي يتذرع بها من يقوم بذلك هي إعداد جيل مجاهد يألف السلاح ويعتاد الضنك والتعب.

السابق
مصادر سلام لـ ”السياسة”: الحكومة أواخر الأسبوع الجاري
التالي
«الشرق الأوسط»: ولادة الحكومة تنتظر «القوات»