جنبلاط: مَن ترانا لنتجاهل التحوّلات الإيرانية؟

ليس من السهولة أن يرسل رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط وزيره الموثوق به وائل ابوفاعور الى السعودية، ساعات قليلة بعد جلوسه الى جانب وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف مساء الاثنين في لقاء الوزير الايراني بالافرقاء وممثلي الاحزاب. موقع الوسط الذي يتمسك به في حكومة الرئيس نجيب ميقاتي وفي حكومة الرئيس تمام سلام، يحمله على تأكيد اهمية المعادلة السعودية ــــ الايرانية والرهان عليها، على وفرة التناقض الحاد الناشب بين البلدين.

نُقلت، في اليوم التالي، الى رئيس المجلس نبيه بري اصداء حديث مخفوض بين ظريف وجنبلاط كانت دلالاته كافية، في اعتقاد بري، على دور جنبلاط، واستكملته عودة ابوفاعور من الرياض بـ«انطباعات ايجابية».
اكثر من اي وقت مضى، لا يسع جنبلاط الا الاتكاء على المعادلات المتوازنة المفضية الى الاستقرار، لا الى الفوضى: «ايران دولة اقليمية كبرى تريد ان تلعب هذا الدور. وكذلك السعودية».
عندما يُسأل عن مغزى الحوار بينه وايران، على وفرة تعويله على الدور السعودي في لبنان، يقول: «لا يمكنني تجاهل ايران. نحن منقسمون عامودياً وافقياً، فهل يسعني تجاهل التحول الاستراتيجي للدور الايراني في المنطقة والعالم بعد انتخاب الرئيس حسن روحاني؟ عندما لا يسع اميركا تجاهله، مَن ترانا نكون كي نفعل؟». يضيف: «يقتضي الاستفادة من التحول الكبير لتجنيب لبنان مزيد من تداعيات الحرب السورية علينا. الاستفادة اولا من التقارب الايراني ــــ الاميركي وصولا الى التقارب الايراني ــــ السعودي».
يتحفظ جنبلاط عن الخوض في تفاصيل نتائج زيارة ابو فاعور للسعودية، ويقصر المهمة على عناصرها الرئيسية: «منذ المرة الأولى حتى امس، كان هناك حرص على تأكيد مبدأ اساسي هو مساعدة الرئيس تمام سلام على تأليف حكومة سياسية جامعة. في مرحلةٍ ما، حصل انقطاع للاتصالات، لكننا اكدنا الآن مجددا اهمية معادلة 8 ــــ 8 ــــ 8 مع شرح مستفيض لضرورتها كي تصبّ في نهاية المطاف في الحكومة الجامعة. وعاد بانطباع ايجابي هو نفسه كما في كل مرة لم يتغير. السعودية لا تمانع في تأليف الحكومة. لكن الامر لا يقتصر عند هذا الحد. يجب مقاربة الموضوع من الخطوط العريضة ايضاً لان الشيطان يقيم في التفاصيل، على ان يجري استكمال البحث في لبنان. لن استرسل في التفاصيل. سيتحدث الوزير ابو فاعور عبر التلفزيون (مساء اليوم) عن ذلك. دوري هو تدوير الزوايا من اجل تلاقي كل التيارات حول الحكومة الجامعة اولاً، ثم انجاح مهمة الرئيس سلام في تأليفها. ربما هناك بعض المتضررين على المستوى الشخصي، او لا يريد هذا البعض الا ان يصغي الى نفسه وصوته. لن استرسل في الكلام عن هذا البعض».
يضيف: «كنت واضحاً باستمرار مع السعوديين في كل المفاصل السياسية، وآخذ في الاعتبار حساسية الوضع اللبناني. تثبيت الرئيس سلام لرئاسة الحكومة هو الطريقة الفضلى لعودة المملكة الى احتضان الاسلام المعتدل في لبنان الذي تعرض اخيرا لاهتزازات كبيرة».
يقول جنبلاط: «ليتهم سمعوا من الرئيس بري يوم اطلق مبادرته قبل اشهر (31 آب 2013 في ذكرى الامام موسى الصدر). لو رحبوا بها كنا وفرنا مفاصل اساسية من الازمة الحالية. قال بمناقشة تأليف الحكومة فقامت القيامة وعدّوا مبادرته انتقاصاً من صلاحيات رئيس الحكومة. تكلم الرئيس بري عن مسألة مهمة جداً ايضاً تجاهلها البعض عندما دعا الى حوار الاطراف، هي فك التداخل بيننا والحرب السورية. لكن هذا البعض نفسه لا يريد ان يسمع».
يُدرج مقاربته في نطاق واقعي لا يخلو من التفاؤل: «نأمل اليوم في ان يرى الجميع الصورة الكبرى في المنطقة بدءا بالحوار الاميركي ــــ الايراني، والغربي ــــ الايراني، رغم المتضررين الكبار منه كاسرائيل والجناح المتصلب في الكونغرس الاميركي ــــ الاسرائيلي، وقد حاول نتنياهو الاستفادة من هذا التصلب لجر الرئيس اوباما الى حرب مع ايران. لم يحصل ذلك، ولم يُستدرج اوباما الى حرب مع ايران كانت مجازفة خطرة لو وقعت. ميّز مصالح بلاده عن اسرائيل وأفهمها ان واشنطن هي مَن تقرر مسار العلاقة مع ايران. وهذا ما حصل. اضف الموقف الاخير لوزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف في دمشق وتأييده مؤتمر جنيف ــــ 2. تأييده المؤتمر دلالة مهمة رغم عدم دعوة ايران اليه. انا مع انضمامها الى مؤتمر جنيف ــــ 2 من اجل انجاحه والتوصل اخيرا الى تفسير واضح لصيغة الحكومة الانتقالية التي تحدث عنها مؤتمر جنيف ــــ 1. بات مصير سوريا وخلاص شعبها يتوقفان على تفسير صلاحيات الحكومة الانتقالية من خلال ترجمة عملية. لا يمكن ان يتحقق ذلك من دون دور مهم جدا لايران في المؤتمر. تجاهلها في جنيف ــــ 2 خطأ فادح. يلتقي هذا التأييد ــــ وأقول يكاد يلتقي ــــ من بعيد مع الموقف السعودي. كأنه تلاق من بعيد. ربما يكون هناك ايضا تلاق من قريب».
لا يخفي الزعيم الدرزي ــــ وهو يضع لبنان في قلب هذه الصورة ــــ مرارة من «عدم الثقة بي. انكسرت هذه الثقة منذ بداية حكومة الرئيس نجيب ميقاتي التي كان البعض يصفها بأنها حكومة احادية. وهي ليست كذلك. حرصت والرئيس ميقاتي على منع تجدد الفتنة، وهو حرص مسؤولين آخرين كذلك. اليوم تزعزعت الثقة مع قوى 14 آذار. بعض صقورها من اصدقاء حميمين سابقين، الى غير الصقور، لا يفعلون سوى المزايدة من اجل المزايدة ما يعرقل جهود الداخل».
يلاحظ ايضا ان الرئيس سعد الحريري يبذل مساعي للمساعدة على تأليف الحكومة، بعدما تلقى منه الاسبوع الماضي رسالة نقلها اليه مدير مكتبه نادر الحريري، الا ان جنبلاط يجزم بأن لا خوض حتى الآن في الحقائب. يقول: «آمل في ان لا نواجه مشاكل لأن الشيطان في التفاصيل. حصل اتفاق على اعتماد مبدأ المداورة السياسية والطائفية للحقائب. هذه آخر بدعنا».
بيد انه يؤكد ما يقوله رئيس المجلس امام زواره باستمرار، وهو اتفاقهما على ان تأليف الحكومة يسبق الاتفاق على البيان الوزاري. يقول: «لم افهم هذه الحملة الصليبية ــــ كما قرأت ــــ على الرئيس بري عندما قال امس، وانا معه في كلامه ومعه حق، انه دفع الف شهيد من حركة امل في مواجهة اسرائيل، وهو يصر على القاعدة الثلاثية (الجيش والشعب والمقاومة). من حقه التمسك بموقفه. انه موقفه. قامت القيامة عليه من قصيري النظر ممن لا يبصرون اللعبة الكبرى في المنطقة». يضيف: «لن اعطي من الآن موقفا من البيان الوزاري ولا من اعلان بعبدا او القاعدة الثلاثية. بعد ان تتألف الحكومة تجتمع لجنة وزارية لوضع البيان الوزاري وسيكون فيها مَن يمثلني».
وهل يخشى من ان ينتهي مآل الحكومة الجديدة الى اصدار مراسيمها فحسب من دون اتفاق اعضائها على بيان وزاري تنال على اساسه الثقة في مجلس النواب، يجيب جنبلاط: «علينا مراقبة تحولات المنطقة. كل الاشارات حتى الآن، ويا للاسف، سلبية واحتمال تعرض البلد لتفجيرات على غرار ما حصل في طرابلس وفي الضاحية الجنوبية مرتين والسفارة الايرانية. عندي صورة متفائلة في الداخل مرتبطة بالصورة الكبرى في المنطقة. طبعا لدي ايضا قلق من الارض. ازداد تداخل وضعنا مع الحرب السورية، وعادت التفجيرات قبل نهاية السنة ومع السنة الجديدة. قتلوا صاحب الافق السياسي والعقل الاوسع محمد شطح. لكن ما يؤلمني ان جنازته لم يحضرها سوى بضع مئات. لم افهم ذلك. محمد شطح خسارة كبيرة لفريقه».
يفصل جنبلاط بين الحكومة الجديدة وانتخابات رئاسة الجمهورية، ويتوقع ان يؤدي تأليفها الى «انعقاد مجلس النواب مجددا بدلا من مقاطعته، ومن ثم الذهاب الى انتخابات الرئاسة. عندما تمشي المياه في مجاري الحكومة وتفتح الابواب على الاستحقاق الرئاسي. هناك مرشحون كثيرون. نذهب الى المجلس وننتخب احدهم. لا بد اولا من كسر الحدة من خلال حكومة جديدة».

السابق
هل يحتمل جعجع أن يبقى خارج الحكومة؟
التالي
انفجار سيارة مفخخة قرب ثكنة الجيش في الهرمل