الحرب على «داعش» من الفلّوجة إلى حارة حريك!

غالب الظنّ أنَّ الحديث عن خلاف أميركي ـ سعودي في شأن سُبل إدارة المواجهة التي تدور رحاها اليوم في جبهة مترابطة من «الأنبار» في العراق، إلى «حارة حريك» في الضاحية الجنوبية لبيروت، قد تراجع إلى حَدّه الأدنى.

يقول مراقبون أميركيّون في واشنطن إنَّ انهيار تنظيم “داعش” على النحو الذي حصل خلال الأيام الماضية، أعاد الإعتبار الى طبيعة الأسُس التي قامت عليها العلاقات الأميركية مع المنطقة، خصوصاً مع دول الخليج العربي بزعامة المملكة العربية السعودية، وإنَّ تقاذف الإتهامات حول الجهة التي أطلقت أو ساهمت في رعاية التنظيمات الإسلامية المتطرّفة ليس مفيداً.
فحصيلة المواجهات الجارية اليوم، تعيد الإعتبار الى الإعتراضات الجدّية للرياض على التسويات السياسية الممكنة في مستقبل المنطقة، وذلك وفق المؤشّرات الآتية:
أوّلاً: توجيه الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون الدعوات الى حضور جلسات مؤتمر “جنيف 2” في مونترو في 22 من الشهر الجاري، مستثنياً إيران، يؤكّد نجاح السعودية في فرض استبعاد حضور طهران، ما لم تعلن صراحة قبولها آلية عقد المؤتمر على أساس قرارات “جنيف 1” التي تستبعد أقلّه شخص الرئيس السوري بشّار الأسد من العملية السياسية. كذلك، فإنّ “فسحة” مشاركتها على الهامش تبقى رهن مساعدتها في فكّ حصار النظام السوري عن بعض المناطق وإدخال المواد الغذائية وإطلاق السجناء.
ويقول مسؤول أميركي في هذا السياق “إنّ الأمر ليس تفصيلاً، وما جرى يُظهر في جانب منه المأزقَ الذي أوقعت إيران نفسها فيه مع حلفائها. حتى الإجتماع المرتقب في 13 من الجاري بين وزير الخارجية الأميركي جون كيري ونظيره الروسي سيرغي لافروف لن يتجاوز الحدود المرسومة لحضورها”. ويؤكّد أنّ “واشنطن وموسكو متّفقتان جوهريّاً على نقطة استبعاد الأسد، لكنّ إعلان ذلك ينتظر التطوّرات السياسية الملائمة”.
ثانياً: الضغط الأميركي ـ السعودي المتبادل مكَّنَ الطرفين من إعادة صوغ تفاهم مشترك حول آليّة الهجوم المعاكس الذي قادته الرياض في مواجهتها مع طهران.
وفي هذا الإطار، انتُخب أحمد الجربا مجدّداً رئيساً لـ”الائتلاف الوطني المعارض”، والتحق الأكراد بهيئاته القيادية وفازوا بنيابة الرئاسة بشخص عبد الحكيم بشّار، ولا تستبعد كلّ المؤشرات أن يعلن موافقته على حضور “جنيف ـ 2” من دون أن تُترجم اعتراضات البعض تعطيلاً لهذا الإعلان وفق الصيغة التي “لا تقتل الناطور ولا تفني الغنم”.
في التوازي، بدأت عملية إعادة “تحرير” مناطق المعارضة من سيطرة التنظيمات الأكثر أصولية والمتمثلة بـ”داعش”، بعدما أمكن “التفاهم” على سبل إعادة تأهيل المجموعات المسلّحة لمصلحة أطراف يطلَق عليها صفة “الإعتدال الإسلامي”. ووفق مصدر أميركي، لا يشكّل الأمر حرَجاً لواشنطن التي خبرت العلاقة مع تلك الجماعات، أو مشكلة لديها في التعاطي مع هذا النوع من “الإسلام السياسي”.
كان الرهان على أن تنجح إيران مع الأسد وحلفائه من “حزب الله” والميليشيات الشيعية في قلب الطاولة قبيل “جنيف 2”. لكنّ الدور انقلب اليوم بعدما نجحت المعارضة السورية في توجيه ضربة مزدوجة إلى السياسة الميدانية التي قادتها طهران على امتداد أشهر السنة الأخيرة.
ففرضت مراوحة في القتال على مختلف الجبهات من حلب وحمص الى القلمون وريف دمشق، وأجبرت النظام على القبول بهدنة قتالية وفكّ الحصار عن معضميّة الشام وحيّ برزة الدمشقي، وهدّدت مناطق القُصير التي استعادها الحزب لمصلحة النظام في الربيع الماضي.
تقول مصادر عسكرية أميركية: “إنّ ما جرى فاجأ الجميع، حتى الأميركيّين، نسبة الى طبيعة تشكّل القوى العسكرية للتنظيمات السورية المعارضة، بما فيها الإسلامية، ومن بينها “جبهة النصرة”.
فقد أمكَن لهذه الجماعات أن تنظّم نفسها بسرعة قياسية فاقت كثيراً قدرة “حزب الله” على ما قام به خلال 20 عاماً أو أكثر، وباتت تمتلك قدرات عسكرية ولوجستية ساعدتها على الصمود في المرحلة التي تلَت هزائمها، بعد الهجوم الشامل الذي قادَته تشكيلات النظام والحزب والميليشيات التي تدعمها إيران، وهي اليوم تحسم المواجهة مع “داعش” سريعاً”.
وتُضيف تلك المصادر: “ما يحصل يدفع الى التشكيك في جدوى الحديث عن “هلال شيعي” يمتدّ من ساحل اللاذقية إلى جنوب لبنان مروراً بطريق حمص دمشق. فهذه المعطيات قد تكون العامل الرئيسي الذي فرض حال ارتباك قصوى، سواءٌ لدى إيران أو دمشق أو “حزب الله” في هذه المرحلة من النزاع”.
وتكشف المصادر العسكرية أنَّ “الحديث يدور من الآن فصاعداً عن تشكيل جيش لا يقلّ عديده عن 150 ألف رجل، علماً أنَّ معلومات كثيرة سابقة كانت تحدَّثت عن إعادة “فكّ وتركيب” “الجيش السوري الحر” وفق صيغة تأخذ في الإعتبار التطوّرات الميدانية التي بدأت منتصف الصيف الماضي”.
وتؤكّد المصادر أنّ شعار “مقاتلة الإرهاب” الذي حاولت إيران والنظام السوري وحلفاؤه امتطاءَه قبيل عقد “جنيف ـ 2″، يبدو أنّه يُسحب من يدها اليوم، خصوصاً أنّ معارك الأنبار التي حاول رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي توظيف بعض جوانبها بُغية تعويم شرعيته، تحوّلت هي الأخرى مأزقاً سياسيّاً لهذا المحور.
لقد استُعين بالخبرات السياسية قبل العسكرية لمدير المخابرات المركزية الأميركية السابق الجنرال ديفيد بترايوس وفريقه، للهجوم على “داعش” في مدن الأنبار. وبعيداً من الإعلان الأميركي الأخير أنّ “البنتاغون” قرَّر تقديم مزيد من صواريخ “هلفاير” و60 طائرة “درون” في الربيع المقبل، فالمعركة الدائرة في العراق قد تُحسم قبل ذلك بكثير.

وغنيٌّ عن الإشارة الى أنّ من يتولّى قتال تنظيم “القاعدة” هم رجال العشائر، حلفاء بترايوس نفسهم. فالجيش العراقي يقف كقوّة دعم، فيما تصريحات المالكي الناريّة تساهم في تعميق مأزقه السياسي.
وهنا أيضاً يبرز الدور السعودي في هذه المواجهة التي كانت أيضاً من بين المواضيع التي ناقشها كيري قبل أيام مع المسؤولين السعوديين.
هل هذا يعني أنّ حظوظ “جنيف 2” في بدء نقاش حلّ لأزمات المنطقة الإقليمية وفي مقدّمها الأزمة السورية باتت أوفر؟
تجيب المصادر العسكرية بالنفي، خصوصاً أنّ طرفي المواجهة يعتبران أنّهما يخوضان حرباً مصيرية، ولا شيء يوحي بأنّهما وصلا إلى اقتناعٍ بضرورة الاحتكام الى تسوية سياسية تعيد رسم توازنات جديدة في المنطقة. وإذا كان الاحتكام في تلك المواجهات يقوم على تعريفات “إلهية” بالنسبة الى كليهما، فلا مكان للخسائر المدنية، طالما إنّ قوّتهما العسكرية لا تزال في مأمن من الخسائر الجسيمة.
هذا ما جرى في غوطة دمشق والقلمون وحمص وحلب والقُصير، وهذا ما جرى في حرب لبنان عام 2006 وفي حروب غزّة أيضاً.

السابق
LBC: موافقة مبدئية من 14 آذار بالقبول بالجلوس على طاولة الحكومة
التالي
أوساط في الكتائب: هناك تقدم على المستوى الحكومي