الموت تحت سوط التعذيب

التعذيب في سوريا

أعزل. من دون أيّ سلاح. من دون أيّ وسيلة للدفاع عن نفسه. من يدري ربما حتّى أصابعه كانت مشلولة وهو يحاول أن يطوي يدّه للتخفيف من وطأة الألم. أعزل وربما أيضاً عارٍ من دون ثوب يدثّره. ربما لم يأكل منذ أيّام وربّما اضطر أن يزحف أرضاً ليتناول وجبته في زنزانة ضيّقة لا ضوء فيها.

أعزل. لا حول له ولا قوة. ربّما فكّر بحبيبة لا تعرف عنه شيئاً أو والدته التي لا تعرف إن كانت ستراه حيّاً. ربما كان دماغه مشلولاً. ربما كان يصلّي في سرّه أو لعلّه كفر باللّه. أعزل من دون حتّى حق الصراخ.
هكذا قُتل الممثل الفلسطيني من مخيم اليرموك حسان حسان تحت التعذيب في أحد فروع الأمن على يد النظام السوري. ربما هكذا قُتل أيضاً الطبيب البريطاني عباس خان الذي قالت الحكومة السورية إنه انتحر في سجنه بينما اتهمت السلطات البريطانية دمشق بقتله.

ربما شتمهم السجّان أو صرخ بهما أن ينصّبوا بشار الأسد إلهاً وربما طلب منها أن يعترفا بجرائم لم يرتكباها. ربما أيضاً تحت وطأة العنف، فقدا الوعي أو تمنّيا الموت وربما ابتسما وهما يلفظان أنفاسهما الأخيرة.

الاحتمالات كثيرة والأمر الوحيد المؤكّد هو أنّهما ليسا الوحيدين. مئات لا بل آلاف قابعة في السجون تحت الأقبية من دون أن تكون مصائرهم واضحة. أعرف جيداً أحد ضحايا التعذيب السوري، ولو كان تعذيباً خفيفاً، وكيف قضى الرجل المعني عمره في الهذيان يصارع أشباحاً وأصواتاً لا نعرف عنها شيئاً.

ربما يجبر أحد الجنود المرأة أن تكشف عن جسدها وربما يجبر أحد الجنود الرجل أن يفعل المثل. لا أحد يستطيع اختراق الظلام ومن ينجو قلّما يخبر. النفس عزيزة وهي تقاوم الانكسار.

ربما يخرجون وربما لا. وربما أيضاً في هذه اللحظات وأنا أكتب هذا المقال، يموت أحدهم أيضاً تحت التعذيب، ليس لذنب فعليّ ولكن إمعاناً في اغتيال الإنسان… الإنسان الذي لا نريده أن يكون.

السابق
المساعي أثمرت في الصويري هدوءاً وثقة بالقضاء
التالي
سليمان: 25 آذار خط أحمر ولا علاقة لحكومة لبنان بجنيف2