تحطيم تمثال لينين هل يجلب الرفاهية؟

يوم الأحد الماضي وأثناء الاحتجاجات في مدينة كييف ضد الرئيس فيكتور يانوكوفيتش نزع تمثال لينين عن قاعدته أمام سوق بيسارابيسكي، وكان قد تعرض للتخريب لعدة أيام قبل ذلك، حتى إنه أصبح تحت حراسة شرطة الشغب. وأعلن الحزب الوطني سفوبودا مسؤوليته عن الحدث، ووصفه يوري سوريتيوك السكرتير الإعلامي للحزب وعضو البرلمان بأنه «نهاية عهد الاحتلال السوفياتي وبداية عهد إنهاء استعمار أوكرانيا نهائيا».

بهذا التفسير فإن لينين رمز لدمج أوكرانيا بوحشية في الاتحاد السوفياتي في أعقاب الحرب العالمية الأولى، ثم تعرضها للتجويع بواسطة السياسات الكوميونية لخلفه ستالين. كان تمثال لينين أيضا رمزا لروسيا المعاصرة، حيث كانت جهودها لشد أوكرانيا بقوة أكبر نحو محيط نفوذ روسيا، بإجبار يانوكوفيتش على عدم توقيع اتفاق سياسي واتفاق للتجارة الحرة مع الاتحاد الأوروبي، شرارة الاحتجاجات الحالية.

لكن إذا اعتبرنا أن أوكرانيا كانت بلدا مستقلا لأكثر من عقدين، فإن إزالة تمثال لينين لها أكثر من معنى، ويبقى ضمنها التحذير بأن الانشراح والإشارات الرمزية بسبب إزالة التمثال يجب أن تبقى من أجل تغييرات حقيقية في الحكم والعقلية الجماعية.

في أغسطس (آب) 1991 خلال انقلاب المتشددين السوفيات في روسيا خُرب تمثال فيليكس دزرزنسكي، مؤسس الشرطة السرية الشيوعية لروسيا، أمام مبنى رئاسة المخابرات السوفياتية الـ«كي جي بي» في موسكو، وكان ذلك بمثابة إشارة إلى انتهاء عهد نظام الحكم السوفياتي، ويرتاح «فيليكس» الحديدي الآن مع تماثيل مخلوعة أخرى، في حديقة خاصة بموسكو، لكن جهاز الأمن الذي أسسه دزرزنسكي بقي في مكانه بقوة متمثلا في الرئيس فلاديمير بوتين والمقربين منه.

وسرعان ما ربط المعلقون على شبكة الإنترنت من جميع أنحاء العالم بين سقوط تمثال لينين يوم الأحد في كييف وسقوط جدار برلين عام 1989. فالآن كما هو الحال في السابق يكسّر المحتجون الهياكل الرمزية ويأخذون قطعا كتذكار، لكن وبعد حوالي ربع قرن على الحدث تبدو المقارنة وكأنها حنين مغاير تاريخيا، إن كان وقع أوروبا الموحدة يبدو صحيحا عام 1989 فإنه يبدو مضللا اليوم، باعتبار المشكلات الاقتصادية وصعود تيار القومية اليمينية.

ربما كانت المقارنة الأفضل هي إزالة تمثال صدام حسين في بغداد في أبريل (نيسان) 2003. ففي الصور التي شوهدت عبر العالم قام جندي أميركي بوضع العلم الأميركي على وجه صدام الحديدي، وهو يسقط نحو الأرض، قوبلت الحركة بوصفها نذيرا لانتقال العراق من الديكتاتورية إلى الديمقراطية. ويوم الأحد وضع المحتجون أعلام أوكرانيا والاتحاد الأوروبي على قاعدة تمثال لينين الخالية.

لكن ما الذي كسبته أميركا بالضبط في العراق عام 2003؟ إن سنوات التدخل تحكي قصة مختلفة تماما. وما نوع النصر الرمزي الذي كسبته أوروبا من حلول أعلامها وأعلام الاتحاد الأوروبي مكان تمثال لينين في أوكرانيا اليوم؟ إن موقف أوكرانيا حرج بين النفوذ الإمبريالي الجديد لروسيا وتعقيدات وعود الاتحاد الأوروبي. هل تستطيع الروابط الأقرب مع الاتحاد الأوروبي أو حتى عضوية الاتحاد الأوروبي، التي لم يُوعد بها في الاتفاق الذي لم يوقعه يانوكوفيتش، هل تستطيع تحقيق أسلوب ديمقراطي وشفاف للحكم وتنهي الفساد وحكم القلة، كما يأمل المحتجون، أم هل ستحيل أوكرانيا لخدمة الاقتصاد الأوروبي، كما يحذر بعض النقاد؟

تحطيم التماثيل لإخفاء تركة تاريخية قاسية كثيرا ما يفتح الباب ببساطة لخلق رموز جديدة، ربما كان السبيل الأكثر فاعلية لانعتاق أمة من ماضيها هو قلب الرموز الموجودة التي هي مدمجة بالفعل في نسيج الحياة المدنية.

في يوليو (تموز) 1967 قذف الفنانان ليونيد لام وإيغور غيلباخ بزجاجة من الطلاء الأحمر تمثال الشاعر فلاديمير مايوكوفسكي، وكان طليعيا متقدما في أحد الميادين وسط موسكو، وكان الفنانان يشعران بأن الدولة السوفياتية أخطأت في وصف إرثه جزئيا بوضعها تمثالا له على أسلوب الواقعية الاشتراكية، ولعدة ساعات بينما كان عمال النظافة يمسحون الطلاء عن التمثال تحول الميدان العام إلى موقع لإعادة تقييم الممارسات الجمالية والسياسية للدولة.

كان تمثال لينين الغرانيتي في كييف في طريقه ليمثل تعقيدات الماضي والحاضر، كان يُذكر بفشل المشروع السوفياتي وفشل سياسات الاقتصاد الليبرالية التي تلته. وعلى الرغم من أن التمثال صمد لعقدين بعد سقوط الاتحاد السوفياتي، فإن الكثيرين من سكان كييف كانوا ينظرون إليه كتورية مرئية قوية، فقد كان أمام سوق بيسارابيسكي المغطى للطعام، وهو مبنى تغطيه الإعلانات الجذابة للبنوك والبضائع الأوروبية وكان يطلق عليه «لينين الذي يشير إلى الطريق إلى السوق».

السابق
اتجاه جديد للنظر إلى التهديدات الخارجية
التالي
الحفاظ على السلام في شرق السودان