اسرائيلي في ايران

‘في الاسبوعين اللذين قطعت فيهما ايران من جنوبها الى شمالها، من شيراز الى تبريز مرورا بيزد وأصفهان وطهران، رأيت وجوها مبتسمة كثيرة جدا. فالايرانيون يوحون اليوم بتفاؤل كبير وكأنهم تحرروا. لقد انتهت سنوات احمدي نجاد الثماني السيئة.
قبل خمس سنوات، قُبيل نهاية فترة الرئاسة الاولى لاحمدي نجاد، زرت هذه الدولة الآسرة أول مرة. وقد امتنع ايرانيون في الشوارع من انشاء اتصال خشية أن يتضح أن السائح غير المعروف هو في واقع الامر عميل للسلطات المحلية. وكان يصعب ألا أشعر كما لو أنني في طنجرة ضغط تهدد بالانفجار.
إن ايران التي عدت إليها الآن مدة اسبوعين تغيرت تغييرا تاما تقريبا. لأن اشياء كثيرة كانت مُحرمة الى الفترة الاخيرة وكانت تتم فقط في الغرف المغلقة خشية عملاء شرطة الآداب، أصبحت تجري الآن في وضح النهار وعلى رؤوس الأشهاد. فالأزواج يسيرون في الشوارع يُمسك بعضهم بأيدي بعض أو يعانق بعضهم بعضا دون أن يحاول أحد أن يفحص هل هم متزوجون زواجا شرعيا. والمقاهي مليئة بمجموعات مختلطة من الشباب من الشباب والشابات يدخنون النارجيلة معا بطعم النبيذ أو الويسكي وهم يلبسون أفضل طرز اللباس الغربية ويضحكون بلا توقف.
‘ولم يعد الناس يخشون التقدم مني والحديث إلي بصفتي أجنبيا بل بالعكس فقد بادروا طوعا الى أحاديث ولقاءات وكادوا يقفون صفا ليتم التقاط الصور لنا معا. وكان من المهم للجميع أن يؤكدوا أن ايران تتغير. إن الايرانيين الآن تواقون الى اتصال بالعالم الخارجي ولا سيما الغرب وضاقوا ذرعا بكونهم معزولين ومقطوعا معهم.
‘رفض باعة أن يأخذوا مني مالا في المخابز والمطاعم بل في حانوت أشرطة مسجلة طلبت فيها أن أشتري عددا من الأفلام الايرانية الجديدة. ورفض البائع في الحانوت بقوة أن يأخذ الثمن مني. ‘أنت خارجي (أجنبي)’، قال لي بابتسامة ضخمة، ‘أهلا وسهلا في ايران’.
وكان أكثر ما فاجأني في زيارتي الحالية عدم وجود شعور بالنقص. فقد طور الايرانيون سبلا كثيرة للالتفاف على العقوبات الكثيرة التي فُرضت عليهم. وتُدخل شبكات تهريب الى الدولة منتوجات تُعارض روح الاسلام وروح عقوبات الامم المتحدة. ويمكن أن تجد في الأسواق الشديدة الغليان وفي مراكز المشتريات الحديثة التي تُبنى بايقاع سريع سلعا من كل نوع ومنها أفضل منتوجات الكماليات والماركات الفخمة من الغرب. وفي أرجاء ايران كلها تنشأ بسرعة قصوى أحياء سكنية جديدة ومراكز شراء عصرية وفنادق خاصة بعضها بفخامة لا تخجل منها أية عاصمة اوروبية.
‘يصعب أن نرى تأثير العقوبات اليومي’، يُبين لي رجل اعمال ايراني، ‘لكن العقوبات مشعور بها جيدا لدى أجزاء واسعة من السكان. فالتضخم المالي يطغى وقيمة العملة المحلية في تهاوي والبطالة في ازدياد. وفي الأحياء الجنوبية الفقيرة من طهران التي كانت في الماضي قلاع تأييد احمدي نجاد، يشعرون جيدا بسوء ظروف العيش. فالناس هناك مستعدون لبيع كل شيء يملكونه لكسب شيء قليل من الطعام’.
الوضع الاقتصادي يظهر أثره هنا وهناك، فقد رأيت في مركز أصفهان مظاهرة لعمال مصنع محلي خرجوا الى الشوارع لأنهم لا يدفعون إليهم رواتبهم؛ ورأيت في مركز طهران أولادا يتسولون بين صفوف السيارات في الشوارع الرئيسة.

السابق
زبدين وقعت على راية الامام الحسين
التالي