من هو الرئيس المُقبل؟

بدأت التحضيرات لمعركة انتخابات رئاسة الجمهورية على مستوى القيادات المحلّية التي يمكن أن تلعب دوراً مؤثّراً في تحديد هويّة المرشّحين الجدّيين، لأنّ الدور الحاسم أو المرجِّح يبقى للدول الفاعلة على مسرح الشرق الأوسط ونتيجة موازين القوى عشيّة الاستحقاق الدستوري.

يخطّط فريق الثامن من آذار لاستثمار ما يراه “تراجعاً أميركيّاً” في المنطقة. ينوي خوض معركة بالنائب سليمان فرنجية، وليس بالجنرال ميشال عون، في خطوة تهدف إلى الإمساك بالشرعية اللبنانية وكلّ مفاصل الدولة، من حكومة إلى مدراء عامّين ورؤساء أجهزة أمنية ومدّعي عام تمييز وقضاة المحكمة العسكرية، وسواهم.

أمّا فريق الرابع عشر من آذار الذي سيحارب خيار فرنجية بكلّ ما أوتيَ من إمكانات لأنّه يعتبر فوزه خطّاً أحمر وتسليماً للبلد إلى سوريا و”حزب الله”، فإنّه يتداول بأسماء ثلاثة مرشّحين (ليسوا من ضمن ناشطيه).

ويدرس بعض من الفريقين إذا كان الاجتهاد في الدستور يسمح بانتخاب رئيس الجمهورية بالنصف زائداً واحداً، وبالتالي هل يضمن فوز مرشّحه على هذا الأساس. كما أنّ آخرين من الفريقين يرفضون هذا الاجتهاد ويأبون المغامرة في حسابات غير مضمونة.

ويُخشى، في حال اعتماد مبدأ النصف زائداً واحداً، أن تكون البلاد أمام مرحلة جديدة من الاغتيالات لعدد من النوّاب لتغيير موازين الأصوات الناخبة.
لكن ما هي حقيقة موازين القوى في المنطقة؟ وهل ستتغيّر الظروف من الآن وحتى موعد الاستحقاق الدستوري؟ وهل فعلاً هناك تراجع أميركي؟
حقّقت الولايات المتحدة الأميركية إنجازين كبيرين يصبّان في خدمة أهدافها الاستراتيجية ومصالحها الحيوية في الشرق الأوسط (النفط وأمن إسرائيل) بلا ضربة كفّ.

الإنجاز الأوّل، هو انتزاع إقرار من الجمهورية الإسلامية في إيران بعدم السعي إلى إنتاج سلاح نووي، باعتبار ذلك مخالفاً للعقيدة والشريعة الدينية. وقد تمكّنت الإدارة الأميركية وحلفاؤها من جني ثمار العقوبات الدولية التي فرضوها على إيران، ولم يضطرّوا إلى استعمال القوّة العسكرية لوقف البرنامج الإيراني.

ومن البديهيّ أنّ حصول طهران على سلاح نووي يشكّل تهديداً حقيقياً، ليس لأمن إسرائيل فقط، وإنّما لوجودها أيضاً، ويخلق في أبسط الحالات توازن رعب جدّياً بين الدولتين اليهودية والإسلامية في المنطقة.

وما تخشاه تل أبيب اليوم هو أن يكون التراجع الإيراني عن إنتاج السلاح النووي والاكتفاء بالبرنامج السلمي لأغراض الطبّ والطاقة، تكتيكيّاً ومرحليّاً، بهدف كسب الوقت وتقطيع المرحلة من خلال تجميد العقوبات الدولية عليها.إلّا أنّ تسليم إيران بعدم التسلّح النووي، سواءٌ أكان فعليّاً أم مرحليّاً، فإنّه يشكّل انتصاراً للدبلوماسية الأميركية في الشرق الأوسط.

الإنجاز الثاني، هو تخلّي النظام السوري، وأيضاً بلا ضربة كفّ، عن “سلاح الممانعة” ضدّ إسرائيل، أي السلاح الكيماوي بمنشآته ومخازنه ومختبراته ومصانعه وأدوات تصنيعه. هذا السلاح الذي طالما شكّل لغزاً في وجوده وكمّياته وفاعليته في تحقيق توازن رعب بين سوريا وإسرائيل.

أمّا ما يروّج عن انتصارات لخيارات سياسية إقليمية، فلا يبدو واقعيّاً بمقدار ما يدخل في الحرب النفسية، لأنّ كسب معركة في حيّ أو قرية في سوريا من هذا الطرف أو ذاك لا يغيّر في موازين القوى الاستراتيجية، بل يدخل في حسابات حرب الاستنزاف والإلهاء الداخلي، وإنّ إدارة الرئيس الاميركي باراك أوباما المنكفئة عن التدخّل القوي في النزاع السوري لن تنقلب على حلفائها وتسلّم رؤوسهم إلى أخصامها لأنّ ذلك في غير مصلحتها.

ويؤكّد دبلوماسيّون غربيّون بارزون أنّ التوازنات الإقليمية لن تُمسّ في أيّ شكل من الاشكال، وأنّ الحلّ للنزاع السوري، سواءٌ في جنيف – 2 أو غيره، لن يحيي النظام ولن يميت المعارضة، بل سيولّد نظاماً جديداً يتقاسمان في ظلّه السلطة… ويستمرّان في التناحر.

– أمّا لبنانيّاً، فلا يمكن فصل الاستحقاق اللبناني عن الاستحقاق الرئاسي السوري، ولن تكون غلبة لفريق على آخر وإن فرض الفراغ نفسه في انتظار تسوية أكبر من استحقاق محلّي.

السابق
تجاوزات السرايا في صيدا: مكانك راوح
التالي
الورقة الصحيحة