سلام: لن أؤلّف حكومة ميتة

بانقضاء شهر تلو آخر على تعثر تأليف الحكومة، يبدو الرئيس تمام سلام أكثر اقتناعاً بترقب تذليل العراقيل من الخارج، رغم إصراره على أن التأليف استحقاق داخلي. لم ينفد صبره تماماً ولن يعتذر عن عدم التأليف، لكنه سيصل الى يوم تبصر فيه حكومته النور وتذهب إلى البرلمان

للمرة الأولى منذ تكليفه تأليف حكومة جديدة قبل ثمانية أشهر، زارت سفيرة بلجيكا كوليت تاكيه الرئيس تمام سلام في المصيطبة لتهنئته. عزت تأخرها في الزيارة الى تجنبها الإيحاء بأنها ستنقل اليه عدوى الأزمة الحكومية الطويلة التي خبرتها بلادها قبل سنوات، ولئلا تبدو تحمل اليه نصيحة في سبل معالجة الازمة الحكومية المتعثرة في لبنان.

قال لها سلام إن بلادها مرت بأزمة حكومية استمرت عشرة أشهر، فردّت: بل نحو سنة ونصف. 542 يوماً حتى تمكنوا هناك من تأليفها. وأبدت استعدادها لإطلاع الرئيس المكلف على التجربة البلجيكية، وتأمين تواصل بينه وبين مسؤولي بلادها الذين رافقوا الأزمة تلك، والتعرّف الى أسبابها وحلولها عن قرب.

قال لها أيضاً: الفرق بيننا وبينكم أن مؤسسات دولتكم تستمر في ظل الازمة الحكومية، فيما حالنا هنا مختلفة تماماً تحت وطأة هذا الفراغ؛ إما مجمدة أو معطلة أو مسيّبة من دون محاسبة أو مساءلة. آلة الدولة عندكم تظل منتظمة.

في الشهر الثامن لم يتغيّر لدى سلام الكثير عن الأيام الأولى التالية للتكليف عندما باشر جهوده. مذ ذاك تتوالى العراقيل وتتداخل المطالب المحلية بالاضطرابات الاقليمية المتسارعة. وجد في زيارة رئيس الجمهورية ميشال سليمان السعودية أمس خطوة إيجابية اعتقاداً منه بأنها «واجبة ومستحقة لأنها مؤجلة منذ وقت بعدما أبدى الرئيس الرغبة في حصولها، إلا أن بعض الظروف حتّم تأجيلها. أنا واثق من أن ما سيعود به رئيس الجمهورية هو دعم للبنان. أما الشأن الحكومي فلا أظن أن الخارج هو الجهة التي يقتضي البحث معه فيه، خصوصاً وأن مَن يخوض في هذا الاستحقاق ليس رئيس الجمهورية، بل الرئيس المكلف. وهو ما قاله الرئيس سليمان بالذات. بالتأكيد على صعيد التطورات الاقليمية وانعكاسها علينا وتأثرنا بالدول الاقليمية الكبرى كما عندما زار الرئيس سليمان إيران لتهنئة رئيسها الجديد الشيخ حسن روحاني واجتماعه به، تأتي زيارة المملكة مهمة لتبادل الآراء ومناقشة المشكلات الإقليمية، وكان الرئيس سليمان اجتمع في نيويورك بالأمير سعود الفيصل أيضاً».

أي نتائج يتوقعها من الزيارة تنعكس إيجابياً على جهود التأليف، كرّر سلام أن الزيارة مستحقة «ولا ضرر منها، الا أن المؤكد أن ثمة فائدة. تأليف الحكومة شأن داخلي مرتبط باعتبارات خارجية نظراً الى تأثر القوى السياسية المحلية بهذه الدولة أو تلك. تقول قوى 8 آذار إن قوى 14 آذار تتأثر بالسعودية، بمثل قول هذا الفريق بأن قوى 8 آذار تتأثر بإيران. الا أن التوترات الاقليمية في المقابل لا تساعد على التأليف، وليست المواقف المتشنجة بين الاطراف المحليين إلا امتداداً لهذا التوتر. نسمع الآن كلاماً عن انفراج في المنطقة في ضوء الحوار الاميركي ـــ الإيراني والغربي ـــ الايراني، لكن لا يعدو كونه سوى كلام على غاربه. أين مؤتمر جنيف ــ 2؟ لا يزال انعقاده متعثراً رغم أنه عنوان رئيسي لهذه المرحلة. من تأجيل الى آخر. ليس هناك من عصا سحرية. حتى اللحظة لا أحد يعرف مضامين الاتفاق الاميركي ـــ الروسي في كل الملفات المفتوحة بينهما، سوريا والسلاح النووي الايراني والمنطقة. ليس في وسع أي أحد أن يفصح عن محتوى هذا الاتفاق الذي ليس ابن ساعته. لا أحد يعرف ثوابته وحجمه وأبعاده والتغييرات التي ستواكبه. غموض الاتفاق الاميركي ـــ الروسي سيد الموقف الآن».

لا يخفي الرئيس المكلف أن الجمود الاقليمي يترك تداعيات على الوضع الداخلي، بما فيه تأليف الحكومة «رغم جهودنا لإيجاد وسيلة فك ارتباط مشكلاتنا بالعوامل الخارجية، كي نتمكن من تحصين وضعنا الداخلي في خضم هذا المجهول والتغييرات التي ليست لنا قدرات على التأثير فيها، وتقع في حسابات الدول الكبرى والاقليمية وليس في حساباتنا. لذلك أنادي بتحصين الساحة الداخلية والوصول الى حد أدنى من التفاهم بين القوى السياسية لتحييد البلد وتسيير مؤسساته ومنع انهياره».

على مسؤولية مَن يعتقد يقع تعثر فصل اضطرابات الخارج عن مشكلات الداخل وانقطاع التواصل بين الأفرقاء، وبين بعضهم والرئيس المكلف، يقول: «منذ البداية حسمت الأمر. منذ اليوم الاول تمنيت أن تنسحب الأصوات الـ124 التي رشحتني للتكليف على التأليف. قلت أيضاً إنني لم أسعَ وراء هذا المنصب، ولن أسعى وراء أحد. كلفوني اعتقاداً ممّن سمّاني أنني قد أمثل فرصة للخروج بحكومة تمثل حالة جديدة. منذ اليوم الاول قررت أن لا أسعى الى أي جهة ولدى أي فريق. لم ينقطع التواصل مرة في الأشهر الماضية، ولكنه لم يكن كافياً ولم يتسم بوتيرة مناسبة من أجل إحراز تقدّم حقيقي لبلورة خيارات التأليف. مررنا باقتراحات ومحاولات لإخراج حكومة لم تنجح كلها، آخرها المطالبة بحكومة جامعة التي مرت بدورها بصيغة 8 ــ 8 ــ 8 قبلت بها قوى 14 آذار ورفضتها قوى 8 آذار، ثم صيغة 9 ــ 9 ــ 6 قبل بها فريق 8 آذار ورفضها فريق 14 آذار وهكذا دوليك».

لا قواعد إذاً في الوقت الحاضر للمضي في التأليف؟

يقول الرئيس المكلف: «القاعدة الرئيسية التي تحرّكت بموجبها هي أن الرئيس المكلف هو مَن يؤلف الحكومة، وهو مَن يقتضي أن يعتني بذلك ويؤتمن على هذه المهمة. لكن بعض القوى السياسية منذ أول تحرّكنا راح يشكك في موقفي وموقعي رغم تأكيدي باكراً للجميع أنني وسطي وسأبقى كذلك. لم تشأ تلك القوى أن تصغي. طبعاً هذه القواعد لا تزال قائمة. كنت صريحاً في تحديدي خياراتي. أعلنت تمسكي بسياسة النأي بالنفس من أحداث سوريا، واعتبرت السياسة التي اتبعتها الحكومة المستقيلة جيدة وملائمة يقتضي تعزيزها وليس التخلي عنها. وضعت نفسي في وسط الأفرقاء للخروج من الازمة الحالية، وليس في موقع أن أفرض عليها أو أتجاوز مواقفها. لم آت من أجل تحدي أحد، لكنني قلت أيضاً إنني لست مغامراً ولا يصح لأي كان أن يكون في مثل هذه الظروف مغامراً بعدما قادتنا المغامرات الى أسوأ النتائج».

يتمسّك سلام بالقول إن تأليف الحكومة شأن داخلي، يحمله على عدم الذهاب الى أي بلد لئلا يُعزى الى هذا البلد أو ذاك تأليف الحكومة: «أي تشاور أجريه كرئيس مكلف مع أي بلد سيقال إنه أملى عليّ تأليف الحكومة. لذلك أضع الاستحقاق في نصاب المسؤولية الوطنية البحتة، وهو كذلك. كل تسرّع أو استخفاف أو حسابات ناقصة يتأتى منها الضرر أكثر منه الفائدة».

يشير الى أن صبره كاد ينفد «على امتداد الأشهر السبعة المنقضية، مررت فيها بإحباط وواجهت عقبات. كدت مرة ومرتين وأحياناً ثلاث مرات أفقد الثقة في ما نقوم به. لكن ردود فعل الناس كانت تحملني على الصبر وإعادة تأكيد الثقة بكل ما نفعله. لم يكن دعم الناس لي في الأشهر المنصرمة مثلما هو عليه اليوم. يطالبونني بالبقاء واستمرار بذل الجهود وعدم الاعتذار في أي حال».

لكن الى متى يستمر صابراً على تعثر التأليف بعدما سجّل سابقة لم تألفها الحياة السياسية اللبنانية، يدخل الشهر الثامن لتأليف الحكومة من دون أن يتمكن من إنجاح مهمته؟ يلاحظ الرئيس المكلف أن صبره يقترب من النفاد «ولا أعتقد أن الوقت مفتوح الى ما شاء الله. لكن ينبغي أن نعرف في المقابل في ظل ما نحن في هذه الحال. وضع لبناني وإقليمي أكثر تعقيداً من أي وقت مضى ومحفوفاً بالاخطار والتحديات، في مرحلة نجد دولاً تكاد تفقد هويتها وكيانها في قلب هذه التطورات. لهذا علاقة أيضاً بالاستحقاق الرئاسي الذي نقترب منه كثيراً. من غير السهل القول إننا نستطيع تجاوز مفاعيله. ما أن ندخله جدّياً في المهلة الدستورية لانتخاب الرئيس الجديد، يحتل هو الأولوية»……

السابق
ما عاد يمشي الحال هيك
التالي
تجاوزات السرايا في صيدا: مكانك راوح