ايران ليست الخاسر في فشل جنيف

ان تنتهي ثلاثة ايام من المفاوضات المكثفة بين ايران والقوى الست الكبرى في الساعات الاولى من فجر الاحد في جنيف دون اتفاق حول البرنامج النووي الايراني فهذا ليس جديدا، فمنذ عشر سنوات وهي تتفاوض مع الغرب، ولكن ان يهرول وزراء خارجية هذه الدول الى العاصمة الدبلوماسية السويسرية بما فيهم وزير الخارجية الامريكي جون كيري فهذا يعني ان الدول الغربية متلهفة للتوصل الى اتفاق يمهد للاعتراف بايران دولة اقليمية عظمى، وانهاء الخلاف معها، وانتقالها من خانة العدو الى خانة الصديق، وتهميش كامل للعرب والاسرائيليين معا.

القضايا الخلافية التي حالت دون التوصل الى اتفاق مؤقت (مدته ستة اشهر) ينص في خطوطه العريضة على تجميد لتخصيب اليورانيوم بنسبة عشرين في المئة ظلت في طي الكتمان، لكن من الواضح ان الصمود الايراني في المفاوضات، وتدقيق وفدها في التفاصيل وعدم الرضوخ للضغوط الغربية وعامل الوقت والتمسك بمعظم الثوابت ان لم يكن كلها، اكدت مجتمعة، او متفرقة، القدرات الايرانية الخارقة في التفاوض، والصبر، وعدم تقديم تنازلات مجانية.

علينا ان نتصور لو ان وزير خارجية عربي كان محل وزير الخارجية الايراني محمد ظريف، وتعرض للضغوط التي تعرض لها، من قبل وزراء خارجية ست دول عظمى هرولو الى جنيف بعد ان الغوا مواعيد وجولات مسبقة، معتقدين ان الاتفاق حتمي، فهل كان هذا الوزير، ومن ثم دولته، سيصمد في مواجهة هذه الضغوط؟ نشك في ذلك ونحن الذين نعرف حكوماتنا جيدا، وضعفها تجاه الدول العظمى، وامريكا على وجه الخصوص، مثلما نعرف التجارب السابقة وما جرى فيها من تنازلات. ولنا في ملفات مفاوضات كامب ديفيد الاولى واستقالة الوزير حسين فهمي ومن بعده محمد ابراهيم كامل وزيرا خارجية مصر خير مثال.

من القلائل الذين صمدوا ولم يضعفوا او يتنازلوا، الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، الذي “سجنه” الرئيس الامريكي بيل كلينتون لمدة اسبوعين في منتجع كامب ديفيد لاجباره على توقيع اتفاق (عام 2000) للتنازل عن “جوهري” القضية الفلسطينية، اي القدس المحتلة وحق العودة للاجئين الفلسطينيين، ولكنه رفض برجولة وشجاعة هذه الضغوط، ودفع حياته، وهو ثمن توقعه وهيأ نفسه للموت شهيدا مثلما قال اكثر من مرة.

تنازل الايرانيين عن تخصيب اليورانيوم بنسبة عالية لستة اشهر ليس تنازلا كبيرا، وان صوره الامريكيون كذلك في اطار بحثهم عن ذريعة او مخرج، فهناك عشرون الف وحدة طرد مركزي ستكون جاهزة لاستئناف هذه المهمة في اي وقت، وهناك العقول القادرة على ادارة البرامج قد تحتاج الى اجازة مؤقتة للراحة، وان كنا نشك في ذلك، فطالما ان المقابل تخفيف الحصار، والافراج عن ستين مليار دولار مجمدة في البنوك الامريكية والاوروبية، فهذا يستحق الدراسة، والتعاطي معه بايجابية بالتالي من وجهة نظر المفاوض الايراني.

لا نستبعد ان يكون احد اسباب الخلاف كيفية التعاطي مع كميات اليورانيوم المخصب بنسب عالية، فهل ستبقى هذه الكميات داخل ايران ام تنقل الى دولة ثالثة طبقا لاقتراح تركي برازيلي سابق، بالاضافة الى نقطة خلافية اخرى وهي مفاعل آراك السري الذي من المتوقع ان يبدأ العمل العام المقبل، ومنشآت سرية اخرى رفضت ايران فتحها امام مفتشي وكالة الطاقة الذرية، وربما يكون الجزم حول تقديم تنازلات في هذا الصدد سابقا لاوانه.

اذا اردنا ان نعرف ما اذا كان هذا الاتفاق “شبه المبدئي” الذي اجهضه تصلب فرنسي مفاجيء في لحظاته الاخيرة نتيجة لضغوط اسرائيلية جيدا او سيئا بالنسبة الى ايران، فان علينا ان نرصد ردود الفعل الاسرائيلية لانها المعيار الاساسي في هذا المضمار، والمقياس الادق للحكم.

اسرائيل ومعها معظم الدول الخليجية، تعيش حالة من الرعب عبر عنها بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء عندما وصف الاتفاق بانه “صفقة القرن” وقال “انه اتفاق سيئ جدا واسرائيل ترفضه بقوة، ولن تكون ملزمة به، وتحتفظ لنفسها بحق الدفاع عن امنها وشعبها”، في تلميح واضح الى ضربات عسكرية وقائية محتملة، وهدد اي نتنياهو باللجوء الى الكونغرس لاجبار اوباما للتخلي عنه، ووصف الصحافة الاسرائيلية كيري بأنه غبي.

منذ ثلاث سنوات ونتنياهو يهدد بضرب المنشآت النووية الايرانية، ويعلن عن مناورات في هذا الصدد، ويوزع اقنعة غاز على مستوطنيه، ولكنه لم يجرؤ على تنفيذ هذه التهديدات لانه يدرك جيدا ان النتائج ستكون مدمرة على دولته اكثر مما هي على ايران نفسها.

لو كانت الادارة الامريكية واثقة بنجاعة الخيار العسكري ضد ايران، لما ترددت لحظة واحدة في الاقدام عليه وهي التي تملك اكثر من خمس حاملات طائرات، ومئات السفن والغواصات النووية، وآلاف القاذفات الجوية، والعديد من القواعد العسكرية في المنطقة، ولا نعتقد ان اسرائيل اقوى من هذه القوة الاعظم في تاريخ البشرية. على اي حال فليجرب نتنياهو حظه وينفذ تهديداته، ولا نعتقد ان حظه سيكون افضل من حظ سلفه ايهود اولمرت الذي احترقت اصابعه، وسمعة جيشه عندما ارسله الى لبنان في تموز (يوليو) 2006، ناهيك عن الدولة الام ايران!

السابق
كأن المعركة انتهت…
التالي
الزيارة الرئاسية للسعودية مفصلية