جعجع ومستقلّو 14 آذار: طال الفراق

في كل ما يفعله سمير جعجع لا يوحي بأنه مصاب بعقدة نقص تجاه الحلفاء. اذا ما استثنينا علاقته «الضرورية والشرعية وغير المؤقتة» مع الرئيس سعد الحريري، يتصرّف «الحكيم» مع مسيحيّي «14 آذار» كـ«الطاووس».

لم يكن سهلا على جعجع الاكتشاف أن مقاطعة فريد مكاري وبطرس حرب ونايلة معوض وميشال معوّض.. لمعراب لن تدفعه الى الكآبة.

لا تواصل مباشرا حتى الساعة بين رئيس حزب «القوات اللبنانية» والقيادات المستقلة في «14 آذار»، ولا شيء يدلّ أصلا على حماسة قواتية لإعادة الكيمياء التي ضربها «الإعصار الارثوذكسي».

فارس سعيد يبدو الأقرب الى معراب، وان لم يستعد مسافة الالتصاق نفسها التي طبعت قربه في الفترة السابقة من «القوات».

بعد قداس «شهداء المقاومة اللبنانية» في ايلول الماضي، كان سعيد منسجما مع نفسه حين رأى أن «خريطة الطريق التي وضعها جعجع هي موضع ترحيب وتضامن من قبل 14 آذار»، معتبرا آنذاك «أن أيّة خريطة طريق محلّيّة غير قادرة وحدها على مواجهة أحداث سوريا ولبنان ومواجهة حزب الله».

سعيد الذي يرى أن منبر معراب يشكّل «رافعة سياسية» لقوى «14 آذار» لا يزال يبحث عن موقع ودور لمستقلّي «معسكر الثورة» بين بيروت وباريس.

سببان أساسيان لن يسهّلا الأمر لإعادة ترميم الجسور المقطوعة بين معراب والمستقلّين: أجراس قانون الانتخاب تدقّ من جديد، وهذا يعني عودة شبح مشروع «اللقاء الأرثوذكسي» الذي كان السبب الأساس في تفريق ثوار الارز.

أما السبب الآخر فأكثر مصيرية. سمير جعجع، وباكرا جدا، فرض أجندته الرئاسية على الحلفاء قبل الخصوم، فكيف اذا كان داخل أهل البيت أكثر من مرشح محتمل للرئاسة لا ينظرون الى «مواصفات» الرئيس المقبل بالمعيار نفسه؟

تراجعت «القوات» عن تبنّيها مشروع «اللقاء الأرثوذكسي» الانتخابي، لكن الخطوة بدت غير كافية لترقيع سقف الحلفاء. طلب بطرس حرب لقاء جعجع، لكن الأخير لا يرى موجباً اليوم لاستضافة من فتح النار على خيارات معراب الانتخابية.

ميشال معوّض يجدّد عضويته تدريجاً على ساحة العمل السياسي، بعد أن قرّر وضع حدّ لشغفه الدائم بالسفر. حاليا يتولى طوني ابي نجم المسؤول الإعلامي السابق لموقع «القوات اللبنانية» إدارة موقع «حركة الاستقلال» الالكتروني، كما عيّنه معوض مستشاره الإعلامي.

معوض متوجّس من التقارب «القواتي» ـ «المَرَدي»، لكن ليس الى الحدّ الذي قد يرى فيه سمير جعجع وسليمان فرنجية ينسّقان انتخابيا!

فريد مكاري «مطنّش». هو اليوم أقرب الى سليمان فرنجية وحلفائه السابقين منه الى جعجع. لم يسارع، كما فعل حرب، لطلب الودّ مجددا مع «الحكيم».

«دولته» غير مرشّح للانتخابات (ابنه نبيل قدّم ترشيحه في ايار الماضي)، ولذلك يرى نفسه خارج دائرة نفور قد يمتد الى حين فتح الصناديق مجددا، لكن ما فعله في انتخابات الكورة الفرعية لم يشكّل سوى «زكزكة» لمعراب.

يومها نزل بكامل عتاده الى ساحة المعركة بين «الحزب القومي» و«القوات». استعرض «عضلات» ماكينته الانتخابية في قرى القضاء والساحل، خصوصا أنفه، في وقت أشارت فيه الإحصاءات الى منح مكاري مرشح معراب فادي كرم نحو ثلاثة آلاف صوت، مقاسما، مع «تيار المستقبل»، جعجع مقعد الكورة.

لكن معراب التي تمكّنت من رفع نسبة المشاركة المسيحية (المارونية تحديدا والتي بلغت 80% من الاصوات لمصلحة كرم في مقابل 20% لمصلحة مرشح «القومي» وليد العازار) في هذه الانتخابات الفرعية، وجّهت بالمقابل رسالة جدّية لمكاري، ومن خلفه «المستقبل»، بأن مطالبتها السابقة بمشاركة مباشرة بتسمية مرشّحَين، وليس بالواسطة، في مقاعد الكورة الثلاثة باتت تحصيل حاصل. الأهم من ذلك، أوحت بأن انتصارها في القضاء كان انتصارا قواتيا من دون «جَميل» الحليف الأرثوذكسي.

بطرس حرب لم يمسك سماعة التلفون مجددا طالبا «الحكيم»، والوسطاء لا يتحرّكون لإعادة الحرارة بين معراب وتنورين التي لا تنظر بعين الرضى الى الزحف القواتي السلحفاتي الى قرى الوسط في البترون، وصولا للجرد.

في الصالونات الضيّقة يسمع كلام من العيار الثقيل بحق الطرفين، ليس أقله تذكير معراب من يهمّه الأمر بأن زعامتها ليست على قياس شخصيات محلية مناطقية.

لا يحسد مستقلّو «14 آذار» على مصيرهم الى جانب من يلاحق حتى «الكتائبيين» على حصصهم في المناطق. متأخّرا جدا، يحاول اليوم ميشال معوض استعادة ناخبين محسوبين عليه في زغرتا كان استوعبهم جعجع باسم «تحالف الثورة»، وعلى الأرجح يريد تجنّب إقدام «حكيم معراب» مجددا على فرض مرشح عليه في القضاء، كما فعل عام 2009.

عين جعجع على مقعد روبير غانم في صغبين، وفي عكار تشطح المخيلة لخلافة هادي حبيش، وفي الكورة سيلعبها على المكشوف مع فريد مكاري، وفي الأشرفية عماد واكيم، كما أحد المقعدين الارمنيين، من ثوابت معراب، وفي كسروان يتحضر لمعركة حزبية بامتياز، أما في زحلة فطموح «الحكيم» لا يستفزّ فقط مستقليّ «14 آذار»، بل قبلهم ايلي ماروني الكتائبي.

لكن ليس حسابات معراب واتجاهها على الأغلب لاحقا لحياكة قانون انتخاب بالتكافل والتضامن مع «تيار المستقبل» على حساب «الكتائب» والمستقلين، تماما كما حين تبنّت قانون الدوائر الصغرى، هو فقط الذي يوتّر الأجواء بين حلفاء «ثورة الأرز».

من دون استشارة مَن يُفترض أن يستشيرهم في المقلب المسيحي، خرج جعجع عن صمته ليتحدث عن مواصفات رئيس جمهورية لا تنطبق، في معيار القواتيين، إلا على «الحكيم».

جعجع، بخلاف حرب مثلا، يؤيّد انتخاب رئيس للجمهورية بالنصف زائدا واحدا. «الزعيم المناطقي والخدماتي» ليس «البروفيل» الملائم لسيّد قصر بعبدا. هذا ما يؤمن به رئيس حزب «القوات».

لحرب مقاربة اخرى على شكل سؤال «وماذا عن أصحاب السجل الميليشيوي». نائب البترون، مرشّح دائم للانتخابات في عهود الاستقرار كما الأزمات، وليس جعجع من ينزع عنه صفة المرشّح القوي.

تتحدث معراب عن ضرورة حصول فرصة «صغيرة مؤاتية» حتى يتم اللقاء بعد أشهر الجفاء مع حلفاء الدرب، لكنها لا تجهد لخلق هذه الفرص.

على العكس تماما، جعجع يرفع سقف المواجهة وحيدا، متحرّرا من عبء «الاوركسترا الآذارية»، وراسما بنفسه خريطة الطريق المسيحية، كما يراها هو، لا وفق الرؤى الإنقاذية لمكاري وحرب وسعيد ومعوض.

السابق
ريفي: ما صدر عن حزب الله لا يتعدى الحالة الهستيرية
التالي
إيران مقابل سوريا!