عاشوراء بيروت: محمود عكنان يحاصر البيارتة

عاشوراء
سكان بيروت يعيشون أيام عاشوراء كأنهم انتقلوا للسكن في ضاحية بيروت الجنوبية، أو في إيران. فهم مجبرون على الاستماع الى المجالس الحسينية، وهم داخل بيوتهم، ومجبرون أكثر على تحمّل اجراءات التفتيش الأمنيّة دون القدرة على الإعتراض.

يتحدّث أحد سكان حي الصنائع – الوتوات البيروتي بحسرة عما آل إليه الوضع في منطقته بل وفي العاصمه بيروت  كلها، ويشير بيده إلى خارج منزله: “أنظر إلى هذه الأعلام واللافتات السوداء والعوارض الحديديّة، في كل سنة عند بداية شهر محرّم وانطلاق المجالس الحسينيّة نشعر أننا أصبحنا نعيش في الضاحية الجنوبيّة أو اننا انتقلنا الى إيران أو كربلاء في العراق”.

ويتنابع بحسرة الغاضب: “يجب أن نستمع الى مجالس عاشوراء ذات اللكنة الخليجيّة، وبالقوّة”. وعندما أوضحت له أنّ اللهجة عراقيّة لا خليجية أجاب: “لا فرق”.

ويضيف محدّثي البيروتي الذي لا يحبّذ ذكر اسمه تفاديا للمشاكل: “السكان في حي الوتوات المتفرع من شارع الصنائع هم من أهل بيروت الأصليين من الطائفة السنيّة وجزء منهم مسيحيون أرمن، أما حاكم منطقتنا فهو المسؤول في سرايا المقاومة محمود عكنان، الذي اتهم العام الفائت بالهجوم على محطة تلفزيون الجديد محاولا احراقها، واعتقل وقتها ثم أفرج عنه بضغوطات معروفة”. ويكمل: “في الأيام العاديّة، شبابه يفترشون الطرق صباحا ومساء، والأرصفه تحوّلت الى “قهاوي” مملوءة بالكراسي والرواد الدائمين، يشربون الشاي والقهوة ويدخنون النرجيلة ويتمازحون بصوت عال ويتصايحون ويتشاتمون في كثير من الأحيان على مسمع الصغير والكبير”. ويتابع بحسرة أكبر: “لم نعد نرسل نساءنا وأولادنا للتسوّق من سوق الخضر الذي يقع منتصف الشارع، وباتت هذه المهمة موكولة الينا نحن الرجال”.

وعن اجراءات عاشوراء يقول محدّثي: “منذ أحداث سوريا بتنا نشعر في أيام عاشوراء اننا أصبحنا في معسكر: انتشار أمني، وان كان غير مسلّح، لشباب أمل وحزب الله وهم يرتدون اللباس الأسود الموحّد، تفتيش السيارات، إضافة إلى قطع الشارع الرئيسي عند بداية مجلس عاشوراء”.

ويتابع :”غير أنّ السنة هذه، وبعد تصاعد احتجاجاتنا التي أوصلناها إلى مسؤولين في الدولة، لاحظنا أن الشباب لم ينصبوا خيمة منتصف الشارع كما فعلوا العام الماضي واكتفوا بالشعارات والأعلام السوداء”. ويستطرد: “ربما سينصبونها الليلة. لا نعلم. لكنّهم بدأوا بتنفيذ الإجراءات الأمنيّة ومراقبة الداخلين والخارجين من الحي”.

ثم يروي لنا حادثة مع ابنه ليل أمس الأول: “أوقفوا ولدي الشاب وهو يقود سيارته. بدأ أحدهم بسؤاله عن هويته ومن يكون، قبل أن يتدخّل أحدهم ويعرف عنه مؤكدا أنه من الحيّ وليس بغريب وسمحوا له بالمرور دون تفتيش”.

“هيك صارت حالتنا ببيروت”، يقول جار آخر، أكبر سنّا، بلهجته البيروتية الثقيلة: “ونعامل كفئة محكومة، وهذا من شأنه أن يزيد الشرخ الطائفي في البلد . صار بدنا إذن إذا بدنا نفوت على حينا. روح شوف البسطة، النويري، زقاق البلاط، وين البيارته؟ اختفوا البيارته. كلهن باعوا وهشلوا، وهلّق نحنا عم يصير فينا هيك بالمنطقه، الأرمن عم يفلّوا ونحنا جماعتنا بلشوا يبيعوا”.

أثنا مغادرتي حيّ الوتوات لاحظت مبنى تلفزيون المستقبل القديم الذي يقع خلفه الشارع المذكور. مبنى خال من الحراس. وهو، بلونه الأبيض وببنائه الأنيق والعريق، بدا لي انه يعبّر عن واقع حال سكان بيروت المسالمين الذين لا حول لهم ولا قوّة، والمستسلمين لقدرهم. فهم لا يملكون غير أصواتهم المنخفضة للتعبير عن تلك المظالم التي تتناوشهم بين الحين والآخر، ممن يفترض أنهم إخوتهم في الدين وفي الوطنيّة.

واذا كان اجتماع  قيادتي حركة أمل وحزب الله قبل يومين في بيروت قد أوصى أن تكون مجالس عاشوراء مناسبة للوحدة. ودعا قرّاء العزاء الى مراعاة عدم قراءة الأحاديث التي تبثّ التفرقة بين المسلمين، إلا أنّ العمل الوحدوي الحقيقي يقتضي عدم بث التفرقة على الأرض لا على المنابر فقط ، وأول ما يجب عمله هو انهاء عمل الأمن الذاتي العاشورائي نهائيا، ذلك الذي يطلّ كل عام مع بداية شهر محرّم. وفي أحياء بيروت تحديدا لأنه يزيد الإحتقان والشرخ الطائفي أضعافا مضاعفة، ويظهر واقع حال ما آلت إليه الأمور. كما لو أنّ فئة حاكمة فوق القانون: وفئة محكومة تحته وخاضعة لإملاء الفئة الحاكمة.

السابق
خليل: منطق الحوار كفيل باخراجنا من الازمات السياسية التي نعيشها
التالي
رابطة الثانوي أوصت بالإضراب في 26 الحالي