لماذا لا يبالون؟

تكاثرت في الفترة الاخيرة حركة تنظيم مؤتمرات وندوات مسيحية في وقت تتعالى معه نبرة الهواجس والمخاوف من زحف الفراغ الى الاستحقاق الرئاسي في ايار المقبل. وثمة مزج واضح في حركة هذه المؤتمرات بين الانعكاسات الثقيلة للازمة السورية على لبنان ولا سيما لجهة مواقف الكنائس المسيحية من الصراع هناك واقتحام الاستحقاق الرئاسي اللبناني المشهد الداخلي ولو ببطء.

واقع الحال الذي يصعب تجاهل وقائعه هو ان هذه الحركة لم تتمكن بعد من اجتذاب اهتمام الرأي العام المسيحي الذي يظهر لامبالاة كبيرة حيال اطار تطغى عليه الدعائية والخلفية السياسية التي لا تخرج عن الاصطفافات الداخلية وارتباطاتها بمعسكرات الصراع الداخلي والخارجي. وهي نتيجة طبيعية ما دامت الثقة مفقودة على نحو خطير بامكان قيام ما يمكن تسميته باستراتيجية او رؤية مسيحية ثاقبة ومستشرفة وبعيدة المدى للمسيحيين حيال دورهم المقرر والمؤثر ولا نقول مصيرهم نظرا الى الطابع الدوني بل والذمي للكلمة. لم تخرج هذه المؤتمرات عن اطار باهت يجرجر ذيوله في اركان الواقع المسيحي. لا نسمع ولا نعاين الا منحى توصيفي وادبيات يغلب عليها طابع التخويف والتحذير فيما لم تطرح مرة بعد المسائل الحقيقية التي يتعين اثارتها بجرأة استثنائية لكي تكتسب مؤتمرات كهذه صدقيتها.
ثمة الكثير من الاعتمالات المسيحية لدى الرأي العام حيال موقف الكنيسة من الازمة السورية لا تقل خطورة في ضياع الموقف المسيحي. وثمة الكثير ايضا في غياب اي نقد ذاتي حول مسؤولية المسيحيين في ترك الصراع المذهبي السني – الشيعي يتآكل الخصوصية اللبنانية وحرياتها المجتمعية والسياسية. وثمة الكثير كذلك في مراجعة الاساليب الناجعة لمواجهة المد الاصولي من منطلقات تتجاوز التوظيف السياسي المصلحي لهذا الخطر بما يصب في مصلحة النظام السوري واعوانه حصرا.
اما في ما يتعلق بالاستحقاق الرئاسي فلا نعتقد ان متاجرة كلاسيكية وحدها بالازمات التي يرزح تحتها المسيحيون اللبنانيون اسوة بالشركاء المسلمين او مع اضافات تعود اليهم وحدهم لا تزال الوسيلة الناجعة في هذا الظرف لتنافس سياسي ينقذ الاستحقاق مما يتربص به داخليا وخارجيا. يدرك الزعماء المسيحيون وكذلك بكركي، او بالاحرى يجب ان يدركوا، ان هناك شيئا ما مختلفا يفترض ان يتبلور بسرعة لئلا يذهب الاستحقاق تحت سنابك الخيل وتصبح تقليعة الفراغ كالاعراف الدارجة والسائدة وتستباح القيمة الذهبية للموقع الاول في الدولة مع كل ما يعنيه ذلك من امعان في اضعافه. ويستأهل الامر مساءلة ونقدا ذاتيا ايضا عما فعله مسيحيون قبل سواهم في اضعاف هذا الموقع تحت ستار الدفاع عنه في المرحلة السابقة والمتمادية الى اللحظة وربما الى موعد الاستحقاق نفسه. حينذاك فقط ربما وبشق النفس سيجدون من لا يدير الاذن الطرشاء ويمضي في لامبالاة قاتلة.

السابق
3 ملفّات بين سليمان والوفد الصيداوي: حلّ السرايا وتسريع المحاكمات والنازحين
التالي
ربط نزاع مع «حزب الله»: داخل الحكومة وخارجها