قطار حوار إيران وأميركا على السكة؟

لم يكن الرئيس الأميركي باراك أوباما يناور عندما مدَّ يده إلى الجمهورية الإسلامية الإيرانية في مطلع ولايته الأولى. وهو لا يناور اليوم في المفاوضات أو المباحثات التي بدأتها إدارته معها في أعقاب انتخاب الشيخ حسن روحاني رئيساً للجمهورية المذكورة أعلاه. وإذا كان مدُّ اليد لم يثمر في السنوات الماضية لأسباب متنوعة مثل الفقدان الكامل للثقة بين واشنطن وطهران، ومثل الصراع العسكري والأمني غير المباشر والسياسي الحاد الذي اندلع بينهما في أفغانستان ثم العراق والذي توسّع لاحقاً ليشمل الشرق الأوسط كله، ومثل عدم جاهزية إيران للتفاوض حول مشروعها النووي قبل تحقيق إنجاز فيه يضع العالم أمام أمر واقع، فإنه (أي مدّ اليد) أثمر أخيراً بداية كلام وتفاوض وإعداداً جدّياً لمباحثات مع أمل في التوصل إلى إتفاق يؤمّن مصالح الجميع. وكي لا يبدو من الأسباب المفصّلة أعلاه أن إيران كانت وحدها المسؤولة عن عدم التجاوب مع النيات الحوارية الطيبة التي أظهرها لها “أوباما الأول”، فإن الانصاف يقتضي الإشارة إلى أن الوضع السياسي داخل الولايات المتحدة لم يكن مهيئاً بدوره لخطوة دراماتيكية قد تبدِّل الكثير من الوقائع في المنطقة والعالم. وأسباب ذلك كثيرة منها الدور السلبي لإيران في أفغانستان والعراق الذي آذى كثيراً القوات الأميركية المسلّحة التي كانت فيهما والتي لا تزال في واحدة منهما. ودورها في “الإرهاب” الشيعي والسنّي في آن واحد، والذي استهدف الأميركيين مدنيين وعسكريين في أكثر من منطقة في العالم. ومنها أيضاً الدور السلبي لإسرائيل وخصوصاً ليمينها المتشدّد الذي يحكم باسمه بنيامين نتنياهو، والذي يعتبر أي تساهل أو تحاور مع إيران خطراً عليها لأنه يمكنها من أن تصبح دولة قادرة على الاستخدامين السلمي والعسكري للطاقة النووية. ومن شأن ذلك تهديد تفوّقها العسكري الكبير في الشرق الأوسط. علماً أن حروب “المقاومة” ضدها أظهرت أكثر من مرة قدرة على إيذائها بقوة رغم عجزها عن إلحاق هزيمة مدوية بها ذات آثار عميقة عليها كدولة وكدور. وهو عجز قد يتقلص إذا وصلت أسلحة دمار شامل في صورة أو أخرى إلى فصائلها. ومنها ثالثاً الدور السلبي للحزب الجمهوري الأميركي وتحديداً نواته المتشددة “حزب الشاي” الذي صار همه الوحيد إضعاف أوباما أو إسقاطه وإن تسبّب ذلك بأذى كبير وطويل المدى للبلاد. كما أن الواقعية تقتضي الإشارة حالياً إلى أن الأوضاع الداخلية في كل من أميركا وإيران صارت مُساعِدة لبدء حوار حُكِي عنه كثيراً منذ بداية خلافهما أو عدائهما. فالإرهاب الإسلامي الذي قضّ مضاجع الأميركيين ولا يزال، يمكن “إنهاء” الشق الشيعي منه بتفاهم مع إيران المتهمة بأنها “مخترعته”. أما الشق السنّي منه فيشكِّل خطراً على أميركا وإيران في الوقت نفسه كما على العالم بما في ذلك مسلمو الاعتدال فيه من السنّة. وخطرُه سيزداد مع الوقت بسبب عدم حل قضية فلسطين، وبسبب إنتشار الأصولية المتشددة في العالم الإسلامي الذي يشكّل السنّة غالبية فيه. والحزب الجمهوري لم ينته طبعاً لكنه منقسم أجنحة و”مضعضع” ويحتاج إلى إعادة نظر جوهرية في رسالته وقيَمه وأساليب عمله. أما إسرائيل ويمينها النتنياهوي فإنها فشلت في منع أوباما من البقاء رئيساً لولاية ثانية، وفشلت في استدراجه لضرب إيران عسكرياً، ومُنِعت من ضربها مباشرة. فضلاً عن أن قسماً كبيراً من ساستها وقادتها العسكريين العاملين والمتقاعدين يمتلكون نظرة أكثر براغماتية وواقعية، وأقرب إلى نظرة أوباما لأمور إقليمية كثيرة.
هذا عن أميركا. فماذا عن إيران؟ وهل صارت مستعدة لحوار جدي يوصل إلى تفاهم أو تفاهمات، أم إنها لا تزال تناور في هذا الأمر أو مترددة فتحضر إجتماعات وتبدي استعدادات، لكن النتائج الإيجابية تبقى غائبة؟
المتابعون الجديون لإيران الإسلامية يؤكدون وجود قرار إيراني جدي وحاسم بترتيب العلاقة مع الولايات المتحدة من خلال معالجة القضايا الخلافية بينهما وهي كثيرة ولها تشعبات عدة، وكلها مهمة وخطيرة في آن. ويؤكدون أن صاحب القرار الوحيد أي الولي الفقيه آية الله علي خامنئي موافق على القرار المذكور أو هو صاحبه. لكنهم يلفتون إلى أن طهران وواشنطن تعرفان أن مفاوضاتهما قد تستمر طويلاً جراء تراكم مشكلاتهما على مدى 30 سنة. ذلك أن المُفضّل عندهما حل العقد واحدة بعد الأخرى. فضلاً عن حاجة كل منهما إلى متابعة العمل على الرافضين عنده لأي تفاهم مع الآخر.
هل صارت إيران مهيأة فعلاً لحوار منتج مع أميركا؟

السابق
المالكي سيُذّكر أوباما وبيدن بكلامه قبل عامين عن بقاء الأسد
التالي
إطلاق «ملتقى الأديان والثقافات للتنمية والحوار»