خطاب النصر الفعلي

إطلالة الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله الأخيرة، لافتة. في المضمون، في اللهجة، في الرسائل. أكثر ما يُمكن التوقف عنده هو توقيت دعواته المحلّية. هذه المرّة اختلف الخطاب عن “ما في شي بحمص”. استند إلى وقائع وأحداث متتالية، أكثر بكثير من عادة استناده إلى فائض قوّته الشخصية المستمدة من قوّة حزبه المسلّح. هذه المرّة، الخطاب لم يكن مفصولاً عن الواقع.

يقرأ جيداً حزب الله وأمينه العام ما يحصل في المنطقة، يقرأ أكثر الخروج الأميركي منها، والضياع الذي بدأ يدب في صفوف حلفائها. ويُدرك أن هؤلاء الحلفاء ليس بمقدورهم لعب أي دور كبير في الوقت الضائع، وهو أوحى بهذا الأمر علناً في ما سرده من واقع. للمرّة الأولى يُمكن القول إنه آت (أي الواقع) من ما هو ملموس، لا من “نوستالجيا” الممانعة الوهمي بشعاراته الصامدة والمتصدية.

بغض النظر عن كل ما قاله في الشق السوري ودعوته إلى حلٍ سياسي، وما يُمكن تأويله في مقاربته هذه. فهو، يدعم وجهة نظره بالميداني، وإن تحدث عن الجيش العربي السوري وانتصاراته على “المجموعات المسلّحة” من دون ذكر ما لحزبه من دور في “صمود” جيش الممانعة أمام إرادة الشعب السوري في الحرية. يستند على فشل عربي ودولي في دعم وتنظيم معارضة حقيقية لنظام جائر، أكل من شعبه، وشاركه الجميع، حتى معارضيه الدوليين في هذا الطبق المبلّل بدماء أبرياء كُثر.

واقع ما يقارب 3 سنوات من الثورة السورية، يجعل نصر الله ينطلق إلى الداخل اللبناني على توقيته وتوقيت راعيه الإقليمي، لا أن ينتظر كما فعلت 14 آذار خلال هذه المرحلة، وكما هي مستمرّة في معاندتها لحقائق لا تشبه أحلامها المعلّقة في الهواء الطلق، بانتظار معجزة ما من مكان ما، يضيق أكثر فأكثر.

هذه المرّة، خاطب نصر الله الجميع من موقع المنتصر فعلياً. وبطبيعة الحال، منّ على خصومه مشاركته في الحكومة قبل فوات الأوان “سياسياً وميدانياً”، وهذا ما يُسجل له، لأن أي رد فعل من هذا الخصم إيجابياً كان أو سلبياً، سيصرفه حزب الله من حساب عطفه على كل اللبنانيين، هذا العطف الآتي فجأة إلى ملعب لا يعرف بالسياسة مقارنة مع خبرته في العسكر. على الأرجح، الإنسحاب الأميركي من المنطقة أعاد له قدرة التحرّك السياسي والإستثمار به، على التحرّك العسكري المكلف على كل الصعد، من دون طبعاً أن يسقط الخيار الأخير من حساباته، إذا لم يُذعن هذا الخصم المحلي لكمّ العطف المقدم إليه. وهذا أيضاً لا يأتي من قوّة محلية بقدر ما هو مستمد من الخارج.

خطاب نصر الله في ذكرى 25 سنة على تأسيس مستشفى الرسول الأعظم، كان واقعياً بغض النظر عن الكمّ الهائل من المغالطات في مقاربة ما يحصل في سوريا، إن رضي قسم كبير من اللبنانيين بهذا الأمر أو لم يرضوا. الزمن الآتي، ليس فيه الكثير من الرهان على متغيّرات كبيرة طالما أن اللاعبين الكبار قرّروا ترك سوريا لجلّادها، ومن تبقى من هؤلاء اللاعبين، لا قدرة لهم على صنع المعجزات، لا بل ردات فعله، قد تجلب على هذا الشعب الجريح، المزيد من الخراب.

في خطاب الإنتصار الأخير، تحوّل نصر الله إلى إعطاء تأشيرات العودة السياسية إلى لبنان عبر مطار رفيق الحريري الدولي. من بوابة سعد الحريري المنفي منذ سنوات في الخارج، قال نصر الله إنّه القادر على بثّ شبه حياة لمن يريد أن يكون معه، أو في أسوأ الأحوال، لمن يرتضي بما يريده هو وحزبه.

قبل الخطاب، قالت مستشارة الأمن القومي سوزان رايس في مقابلة مع النيويورك تايمز: “هناك الكثير من المناطق المهمّة في العالم، ولا نستطيع أن نبقي اهتمامنا منصب بالكامل على الشرق الأوسط”. الأمين العام لحزب الله قرأ جيداً هذا الكلام، فكان خطاب الإنتصار.

السابق
الحرب السوريّة على الإرهاب
التالي
تتمة الربيع الرئاسي اللبناني