بقاء الأسد يعني نهاية سوريا

بدت مثل مزحة سمجة ونكتة في غير محلها أن يقوم وزير الخارجية الأميركية جون كيري بالثناء على نظام بشار الأسد نظير التزامه تجاه عملية تفكيك سلاح سورية الكيماوي. لكن الواضح أن وراء الأكمة ما وراءها، إذ تعمل انتهازية السياسة الدولية على تحويل قاتل مجرم إلى أيقونة يتوجب الحفاظ عليها.
ثمة حديث بدأ يجري تسريبه عن بقاء بشار الأسد في منصبه عامين آخرين بعد انتهاء ولايته في منتصف 2014، في ما بدا وكأنه محاولة لسبر الأصداء وردود الفعل، وربما محاولة لإدراج هذا الخيار ضمن حزمة خيارات التفاوض الواسعة، محاولة يمكن وصفها حتى اللحظة بعملية حجز للدور في سياق تسابقي وإعطاء هذا الخيار فرصة المرور عبر المخابر وفحص مدى قدرته على الصمود والحياة.
ولإعطاء الأمر صبغة جدية، وفي محاولة تظهر على أنها نوع من الترجيح لهذا الخيار، تم تقديمه مع حزمة من الحيثيات والمعطيات التي تسنده وتعطيه مشروعية في الظروف الراهنة، أبرزها استكمال الأسد تفكيك الترسانة الكيماوية السورية والقضاء على الجماعات المتشددة، عدا عن أن الواقع السوري الحالي لناحية وجود ملايين اللاجئين خارج الحدود والنازحين في الداخل، وخروج مناطق عدة عن سيطرة النظام وعدم انتظام العمل الدبلوماسي في سفارات النظام، يجعل من إمكانية تنظيم الانتخابات الرئاسية مهمة صعبة، إن لم تكن مستحيلة.
وحتى يبدو الأمر طبيعياً يجري تكييفه ضمن إطار قانوني عبر إسناده إلى نص دستوري الفقرة 2 من المادة 87 من الدستور السوري النافذ منذ العام الماضي والتي تنص على أنه “إذا انتهت ولاية رئيس الجمهورية ولم ينتخب رئيس جديد، يستمر رئيس الجمهورية القائم في ممارسة مهماته حتى انتخاب الرئيس الجديد”.
الواقع العملي يقول إنه بعد اتفاق الكيماوي لا يتوجب استبعاد أي شيء، بل من السذاجة التعامل بحسن نية مع بعض السياسات التي يجري رسمها في المراكز الكبرى حول سورية والمنطقة، فمن فضّل الخروج من الغنيمة بالسلاح الكيماوي من دون الاهتمام بمصير السوريين لا يعنيه كثيراً التمسك ببعض التفاصيل الصغيرة مثل استمرار حكم بشار الأسد عامان أو أكثر، مثل هذه الأمور ليس لها تأثير مهم على سياق التسويات الكبرى بل لأن لديها قابلية للتسويغ.
ولعل ما يعزز هذا التوجه، أن كل ما يحكى عن تهيئة الأجواء لبديل عن النظام الحالي غير واضح المعالم، حتى إن السفير روبرت فورد أبلغ رئيس الحكومة الموقتة أحمد طعمه أن الإدارة الأميركية لن تعترف بالحكومة الموقتة، لكنها ستتعامل معها بشكل كامل وبكل جدية. لا تفسير لهذا الأمر سوى أنه يندرج في إطار التبدل الحاصل في الإستراتيجية الأميركية الجديدة تجاه الحدث السوري، ولا سيما بعد التطورات في الملف الكيماوي والملف النووي الإيراني. هذه الإستراتيجية تعتمد سياسة انتظار واختبار التطورات في هذين الملفين، كما تنتظر تطورات السياق الدبلوماسي المتمثل في مؤتمر جنيف . لذا يبدو من الطبيعي في هذه الحالة أن تعدل واشنطن كل إجراءاتها وسياساتها بانتظار نتائج هذه الاستحقاقات، ومعنى ذلك باختصار أن واشنطن بدأت بموازنة خياراتها بطريقة تناسب الاتفاق الأميركي الروسي الأخير”.
ما سبق يوضح بشكل جلي أننا أمام إستراتيجية روسية متكاملة في الملف السوري، على النقيض من السياسات الأميركية المبعثرة، فيبدوا أن موسكو هي من يستخدم إستراتيجية الخطوات الصغيرة في هذا الملف، حيث بدأت بحماية الأسد من عقاب دولي كخطوة أولى، ثم تنطلق اليوم نحو إعطائه مزيداً من الوقت ليستعيد سلطاته، في محاوله لتثبيته بعد ذلك نهائياً في المعادلة السورية وطرحه كمعادل موضوعي مدني علماني وحامٍ للأقليات في مواجهة قوى فوضوية متطرفة غير متسامحة!
وفي الواقع تنطوي هذه السياسات على ثغرات وعيوب واضحة سياسية ودستورية، ذلك أن هذا النهج يتبع سياسة بناء سياقات نظرية وهمية غير مطابقة للحالة السورية، فهو فضلاً عن كونه نهجاً ينطوي على مبدأ تفخيخ مسارات الحل السياسي الذي من المفترض أن موسكو أحد رعاته، عبر إلغاء مداخل التفاوض السلمي للأزمة والتي تعتبر مصير الأسد واحدة من أهم تلك المداخل، فإنها أيضاً تنطوي على ثغرات قانونية ومؤسسية واضحة:
فمن قال أنه يتوجب إجراء انتخابات رئاسية مباشرة في الحالة السورية، إلا إذا كان المقصود الإبقاء على آليات النظام نفسها. وهو أمر ما عاد ممكناً في الحالة السورية، ألا يحتاج الأمر إلى مرحلة انتقالية مثل كل الحالات الشبيهة بالحالة السورية، مصر وليبيا وتونس واليمن؟ ثم إن الأمر سيتطلب دستوراً ومجلساً تشريعياً والاتفاق على المصالحة الوطنية والعدالة الانتقالية ثم بعد ذلك يصار إلى انتخابات رئاسية.
ثم هل ثمة ملمح في الوضع السوري الحالي لوجود نظام ومؤسسات يستلزم الدفاع عن وجودها بحجة ضمان استمرار الدولة الوطنية؟ ألم تشهد المؤسسات الوطنية انقساماً وتشظياً ملحوظاً؟ كل المؤسسات صارت تعمل في إطار خدمة استمرار حالة استنزاف الدولة السورية، ومن قال إن تلك المؤسسات ستبقى تعمل بذات الصيغة والإسلوب السابقين، إذا كانت الصيغة السورية برمتها سيعاد التفاوض على بنائها من جديد، وبالتالي فإن حجة بقائها لا تستند إلى تبريرات وظيفية حقيقية، بقدر ما يقف وراءها دواعٍ سياسية آنية..
الواقع أن مجرد التفكير بطرح مثل هذه المسألة يعني إحالة سورية إلى مجال غير ما تفكر به القوى الوطنية السورية، على اعتبار أن ترك المسألة وقتاً طويلاً محكومة بنتائج الميدان من شأنه أن يأخذ القضية برمتها إلى نواحٍ أخرى وتركها تشكل سياقها الفوضوي الذي بدوره سيكون بيئة صالحة لتطوير هذه الخيارات وصولاً لخيار التقسيم، إذ من سيرفض حماية الأقليات وتجميعها في مساحة جغرافية محددة أمام خطر فوضى التطرف. إنهم يصنّعون سياقات تدمير سورية وتفتيتها، والعقلية المافياوية الروسية تقود الأعنة بهذا الاتجاه في لحظة دولية عاجزة.

السابق
14 آذار: كثير من الضجيج والفائدة قليلة
التالي
إلتقى جعجع وفداً من إتحاد بلديات شرق زحلة