غليان في طرابلس وعرسال ومخاوف من… الأسوأ

اقتحمت ارتدادات الانفجارات التي ضربت الضاحية الجنوبية لبيروت وطرابلس في يوليو وأغسطس الماضييْن المشهد اللبناني منذرةً بتداعيات أمنية تفوق في خطورتها الحصيلة الدموية التي أفضت اليها تلك العمليات الارهابية التي بدت مرتبطة في شكل مباشر بحلقات الأزمة السورية التي «تقبض» على لبنان في الامن والسياسة والاقتصاد.
من جرود عرسال (البقاع) الى طرابلس، خط توتّر واحد طرفاه انفجارا الضاحية الجنوبية، اي بئر العبد الذي وقع في 9 يوليو وادى لجرح نحو 50 شخصاً والرويس الذي «ضرب» في 15 اغسطس وذهب ضحيته نحو 26 مدنياً وجُرح نحو 340 آخرين، والانفجار المزدوج الذي استهدف عاصمة الشمال طرابلس في 23 اغسطس في «جمعة الدم» التي حصدت نحو مئة قتيل وألف جريح امام مسجديْ «التقوى» و«السلام» حيث انفجرت سيارتان مفخختان.
في جرود عرسال لجهة سورية، وتحديداً في منطقة نعمات الواقعة بين الجرود ومنطقة القصير على مقربة من جوسيه، «اغتيال» لعمر الاطرش (ومعه سامي حسن الحجيري) الذي سبق ان اتّهمه «حزب الله» عبر وسائل اعلامه بالوقوف وراء تفجيريْ الضاحية والذي أورد وزير الدفاع في حكومة تصريف الاعمال فايز غصن اسمه قبل نحو شهرين على انه رأس مجموعة أعدّت سيارات مفخخة لتفجيرها في الضاحية وفّجرت عبوة بدورية عسكرية للجيش اللبناني وقتلت عسكريين على حاجز في البقاع وخطفت وقتلت شباناً شيعة في جرود عرسال، وكان من عداد هذه المجموعة (بحسب غصن) المدعو سامح البريدي الذي نجا من العملية التي استهدفت الاطرش فجر الجمعة.
وفيما شيّعت عرسال الأطرش والحجيري وسط حال غضب كبير واحتقان عالٍ وتلويح بردات فعل اذا ثبت ضلوع «حزب الله» في عملية «تصفية» عمر الذي لم يصدر اي ادعاء عن القضاء العسكري عليه في ملف تفجيرات الضاحية، برزت مخاوف في هذه البلدة البقاعية ذات الغالبية السنية في محيط شيعي والداعمة للثورة السورية، من ان يكون «شطب» الأطرش له علاقة بما يتمّ الإعداد له من عملية عسكرية ذات اهمية استراتيجية للنظام السوري و«حزب الله» على مثلث جرود عرسال – القلمون – الزبداني، نظراً الى الدور الذي كان يلعبه مَن باتوا (اهالي عرسال) يصفونه بـ «الشهيد» في رفد الثوار بالسلاح والعناصر.
ولم تُخف اوساط سياسية الخشية من ان يكون قتل الاطرش تم تحت غطاء مدروس هو الترويج لعلاقته بتفجيريْ الضاحية وذلك في طار «حرب نفسية» استباقية لقطع الطريق على اي عملية ادانة لما تعرّض له، مذكّرة بان عرسال سبق ان تعرّضت لأكثر من محاولة «تأديب» على موقفها الداعم للثورة السورية ولمحاولات جرّها الى صِدام ذات طابع مذهبي وذلك نظراً الى الاهمية الاستراتيجية التي يعلّقها النظام السوري و«حزب الله» على شطبها من خريطة التماس مع الصراع السوري الذي ترتبط بـه هذه البلدة بحدود صارت كـ «خط نار» بامتداد نحو 55 كيلومتراً مترامية من محافظة ريف دمشق الى محافظة حمص. علماً ان تموْضعها الجغرافي يربطها من خلال حدودها الجنوبية بيبرود والنبك، في حين تتصل من خلال جردها الشمالي بأطراف ريف القصير، وعبر مشاريع القاع اللبنانية، «التوأم» لها في السياسة والديموغرافيا، بقرى الشريط السني في ريف القصير. ومنذ سقوط القصير، بقيت عرسال بمثابة «رئة» للجيش السوري الحر في شريط القرى المحاذية لسلسلة جبال لبنان الشرقية.
وكان الأطرش تعرّض فجر اول من امس لعملية امنية خلال عودته الى الاراضي اللبنانية من داخل المناطق السورية المحاذية لعرسال وتحديداً القلمون والتي تعوّد الانتقال اليها برفقة العشرات من المسلحين اللبنانيين والسوريين وسط احتياطات امنية مشددة لم تنفعه هذه المرة.
وتضاربت المعلومات حول ملابسات تصفية الاطرش اذ تحدّثت تقارير عن عبوة ناسفة كات مزروعة داخل سيارة رباعية الدفع انفجرت بعد خروج الاطرش من مقر للمسلحين اللبنانيين -الذين يقاتلون في سورية – في منطقة نعمات الواقعة بين جرود عرسال ومنطقة القصير على مقربة من جوسيه، وأدت إلى مقتله الى جانب سامي الأطرش فيما نجا سامح بريدي. وفي المقابل اشارت تقارير اخرى الى ان عمر كان يستقل سيارة مع سامر الحجيري ولدى خروجهما من المقر المذكور استهدفت سيارتهما بصاروخ موجّه أُطلق من منطقة تنتشر فيها «الفرقة الرابعة» في الجيش السوري ما أدى الى مقتلهما على الفور وحوّل جسده أشلاء. علماً ان وسائل اعلام قريبة من 8 آذار غمزت من قناة امكان ارتباط العملية بخلافات بين الأطرش ومجموعات مسلحة أخرى وبين فاعليات في بلدية عرسال بشأن عمليات تهريب سلاح.
وقد اعلن رئيس بلدية عرسال علي الحجيري «أن الأطرش قتل في منطقة نعمات المقسومة بين لبنان وسورية بالقرب من مشاريع القاع» متهماً النظام السوري بقتله بواسطة الطيران أو الصواريخ مع العلم انه نفى قبل أيام أي علاقة له بمتفجرتي الضاحية الجنوبية».
وفي طرابلس لم يكن المشهد أقل توتراً بعدما أفضى توقيف شعبة المعلومات في قوى الامن الداخلي (اول من امس) للشاب يوسف دياب في جبل محسن (ذات الغالبية العلوية) على خلفية الاشتباه به في ملف تفجير مسجديْ التقوى والسلام، الى إشعال جبهة باب التبانة (ذات الغالبية السنية) – جبل محسن لساعات تخللتها اشتباكات على محور البازار- الملولة وأعمال قنص ادت الى جرح شخصين، ما استدعى تدخل الجيش اللبناني الذي رد بعنف على مصادر النيران وعمل على وقف الاشتباكات الا ان اجواء التوتر ظلت مسيطرة حتى يوم امس.
وجاء إصدار مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي صقر صقر امس مذكرة توقيف بحق دياب المنتمي الى «الحزب العربي الديموقراطي» (العلوي) ليزيد من المخاوف من ردات فعل قد تفجر الوضع في طرابلس وتطيح بالخطة الامنية التي بدأ الجيش بتطبيقها في المدينة التي تعيش احتقاناً مذهبياً كبيراً منذ تفجيري المسجدين. علماً ان صقر أصدر ايضاً مذكرتي توقيف بحق شخصين اخرين اعتقلتهما شعبة المعلومات في الملف نفسه.
وقد اعلن مسؤول العلاقات السياسية في الحزب العربي الديموقراطي رفعت عيد أن توقيف دياب محاولة لإلغاء الطائفة العلوية، وقال: «هذا لن يمر مرور الكرام… مطلبنا الآن تسليمه إلى الجيش ولا كلام آخر».
وكان القضاء العسكري ادعى على الشيخ الموقوف احمد الغريب في انفجار المسجدين كما على ضابط الاستخبارات السورية في طرطوس النقيب محمد علي ورئيس مجلس قيادة حركة التوحيد الاسلامي (القريبة من النظام السوري) الشيخ هاشم منقارة الذي عاد وتُرك بسند إقامة. علماً ان خلاصات التحقيقات لدى شعبة المعلومات مع الغريب افضت الى رسم شبهة حول دور مدير مكتب الامن الوطني السوري اللواء علي مملوك في عملية طرابلس المزدوجة.

السابق
مذهبية في اعتقال ارهابيي التفجيرات
التالي
قاووق من ديركيفا: إسرائيل تراهن على «14 آذار»