الحزب والدولة

يتصرف «حزب الله» كقوة احتلال في المناطق التي يسيطر عليها. يعلو هاجسه الأمني مصالح السكان ويتقدم عليها. فلا قيمة ولا شرعية لما يتعارض مع منظومته للقيم والمحرمات.

المداهمات والاعتقالات التي نفذتها عناصر الحزب في بعلبك وإحراقها المحلات التجارية التي يملكها أبناء طائفة معينة، تقول بما أنه منخرط في سياسة تطهير طائفي من النوع الذي خبره اللبنانيون أثناء حروبهم الأهلية. ممارساته مع حلفائه في هجوم السابع من أيار (مايو) 2008 والاستفزازات التي جعلت أهالي الضاحية الجنوبية قبل أسابيع يحتجون على تطاوله على كراماتهم، وصولاً إلى دوره في أحداث عبرا وتحريضه على تطويق بلدة عرسال، تشير كلها إلى أن الحزب بات عبئاً على العلاقات الأهلية قبل أن يكون أداة للتوازن الإقليمي، تحركها طهران ودمشق عندما تريدان.

يضاف إلى ذلك إصراره على الإمساك بكل مفاصل الدولة، من أجـهزة أمنية وإدارات عامة وحكومية وتطويع كل ذلك في خدمة أهدافه التي باتت الحرب على «التكفيريين» تحتل الأولوية فيها. و «التكفيريون» هؤلاء الذين يشملون كل خصوم الحزب، يخدمون بلا ريب إسرائيل والمشروع الأميركي في المنطقة، على ما تملي ضرورات التناغم الداخلي لرطانة الحزب وكتبته. إنها الحرب الطائفية يخوضها «حزب الله» بستار لم يعد يخفي شيئاً من العورات والأضاليل التي لا تجد من يصدقها غير الراغبين بالتصديق ودفن الرأس في الرمال.

ما يصفه الوجهاء المحليون والسياسيون المعارضون لنهج الحزب بـ «الاستقواء» والعنجهية في تعامله مع السكان (باستثناء من يلتحق به ويواليه من دون سؤال)، لا يقابله دور للدولة التي يقول هؤلاء إنها تبقى رهانهم الوحيد. والحال أن الدولة مصابة بتعدد في الشخصيات. فأجهزتها المكلفة بالعمل الميداني تمالئ الحزب. وهذا دأبها منذ الأزل حيث يسعى موظفوها، من المؤسسات الرسمية المختلفة، إلى الفوز برضا الطرف المسلح الأقوى. في حين أن «خطابها» الرسمي ليس أكثر من عبارات إنشائية لا جدوى ترتجى من انتظار تحولها أفعالاً.

الموظفون الرسميون يريدون السلامة. السكان يريدون لقمة العيش. الحزب يريد تنفيذ مهماته المُسندة إليه من الرعاة الإقليميين. وبين هذه الإرادات يبدو المواطن اللبناني لا سند له ولا نصير إذا لم يجد من يحمي حياته وحياة عائلته، متروكاً ذليلاً على أبواب زعماء الطوائف تنهشه أنياب الحاجة والفقر والرغبة العارمة بالهجرة من بلد الكراهيات المجنونة.

أكثر ما يدعو إلى السخرية المريرة، تلك الدعوات إلى الحوار والتفاهم بين القوى الطائفية اللبنانية. وكأن أي منها يملك قراره بعيداً عن خيوط محركي الدمى الخارجيين، أولاً. وكأن لأي منها مصلحة في التنازل عن المساحات التي احتلتها في الأمن والاقتصاد والاجتماع لمصلحة دولة هزيلة لا رؤية لها ولا مشروع أبعد من توزيع الأنصبة في عملية نهب المال العام، ثانياً.

وكي لا يبدو الأمر أن «حزب الله» أتى أمراً فريداً في بابه، يتعين التذكير أن الفصائل الفلسطينية أقدمت على الارتكابات ذاتـها فـي الـسبعينات وأن المـيليـشيـات الـلبنانـية المـخـتلفة سارت على الدرب ذاته بين 1975 و1990 وأن الـقوات السورية وأجهزتها لم تقصر أبداً في استباحة المجتمع اللبناني وإذلاله، إضافة طبعاً إلى الاحتلال الإسرائيلي وجرائمه.

عليه، تكون تصرفات الحزب اليوم مجرد انعكاس لظاهرة الدولة الفاشلة في لبنان الذي يعجز مواطنوه عن الاتفاق على أي شيء باستثناء استمرار تناحرهم ثم الوقوف أمام أبواب السفارات طلباً لتأشيرات الهجرة.

السابق
سني ستان وشيعة ستان!
التالي
جهاد النكاح غير موجود في سورية