سني ستان وشيعة ستان!

بعض المقالات والتحليلات لخبراء غربيين رغم الاختلاف معها تشحذ الذهن لإعادة التفكير ومحاولة سبر بحار مجهولة أو غير مطروقة من الأفكار فيما وراء قناعات ثابتة أو ترسخت بحكم الجغرافيا والتاريخ. من أمثلة هذه الأفكار والنظريات التي طرحت في خضم العواصف التي تمر بها المنطقة عن إعادة رسم الخريطة الإقليمية أو خطوط جغرافية لكيانات سياسية جديدة على طريقة سايكس بيكو التي قسمت وحددت خطوط الحدود في الهلال الخصيب. لكن أفكارا مثل هذه تبدو الآن فانتازيا فكرية تآمرية أو أفكار خيال علمي.

الشرق الأوسط في حالة غليان، وهو أمر ليس جديدا على المنطقة, فإذا وضعنا النزاع الفلسطيني – الإسرائيلي جانبا والذي شنت خلاله 4 حروب رئيسة، سنجد التاريخ الحديث للمنطقة مليئا بالصراعات وحتى الحروب الكبيرة الأخرى التي أخذت بعدا دوليا (حربا العراق) بخلاف الحروب الأهلية، والصراعات المسلحة المستمرة حتى الآن وتأخذ أشكالا متعددة مع جماعات إرهابية أو تكفيرية، لكن لم يكن أحد يتحدث عن خريطة جديدة، فلماذا الآن بعد موجة الانتفاضات في 2011 والتي كانت في معظمها تتعلق بمطالب مجتمعية وليس لها علاقة بالعرق أو الطائفة؟

في مقال في صحف غربية بينها «نيويورك تايمز» و«التايمز» البريطانية يستشهد الباحث روبن رايت بما قاله مارتن كوبر مبعوث الأمم المتحدة إلى مجلس الأمن في يوليو (تموز) عن أن العراق هو الصدع بين العالمين السني والشيعي، وكل ما يحدث في سوريا يؤثر عليه، لينطلق من ذلك إلى أن الأنبار ذا الأغلبية السنية يمكن أن يندمج مع شرق سوريا ليشكلا فعليا دولة سني ستان ونفس الشيء ينطبق على جنوب العراق الذي يصبح بحكم الواقع الجديد شيعة ستان.

ومن المناسب هناك الإشارة إلى أن الكيانات الجغرافية السياسية ليست حقيقة ثابتة، فقد رأينا في التاريخ القديم إمبراطوريات تصعد وتهيمن ثم تتفكك وتنهار، كما رأينا في التاريخ القريب حالات طلاق جغرافي سياسي جرت بأشكال مختلفة حسب درجات التطور المجتمعي، بالدم والدمار كما حدث في تفكك يوغوسلافيا السابقة، أو سلميا وحضاريا كحالة تشيكوسلوفاكيا السابقة، التي أصبحت جمهوريتين. ومنطقة الشرق الأوسط ليست بعيدة عن ذلك، فحالة السودان الذي انقسم إلى دولتين بموجب اتفاق سلمي بعد عقود من الصراع قريبة وليست بعيدة، وخطوط العرق والاختلاف الديني كانت جزءا من أسباب هذا الطلاق أيا كان شكله.

وفي الحالة الراهنة خاصة في مجال جغرافيا ما يطلق عليه «الهلال الخصيب» تطل الطائفية بما تحمله من شرور ودموية شديدة على المشهد سواء في العراق أو سوريا، رغم أنها لم تكن جزءا أصيلا منه، وذلك بفعل الاستغلال السياسي من جماعات أو تيارات، أو حتى أنظمة تصارع للبقاء مثلما حدث في سوريا عندما تحولت مظاهرات سلمية مطلبية تحت ضغط العنف إلى حرب أهلية، أطرافها دفعت عمدا نحو غطاء الطائفية.

تترافق مع هذا المشهد حالة أخرى مصاحبة تتمثل في ضعف المراكز في السيادة على جغرافيتها أو أقاليمها، لتصبح هناك مساحات أو بؤر حدودية منفلتة أمنيا، أو مناطق فراغ تستغلها جماعات الإرهاب، أو حتى الجريمة المنظمة تستنزف كيانات الدول وتفاقم من حالة الضعف التي تمر بها المنطقة.

لا شيء يمكن استبعاده، لكن التفكير في اتجاه التفكك هو وصفة لتوتر وغليان قد يستمر مائة عام أخرى، ولن يقود إلى «سني ستان» أو «شيعة ستان» ولكن إلى «فوضى ستان» على الأرجح مع فوضى تأكل الأخضر واليابس. المستقبل هو في القضاء على أسباب التوتر، والتحديث الذي ينمي الاقتصاديات والمجتمعات، والبحث عن حلول خلاقة لبعض المشاكل المتراكمة المزمنة مثلما يجري تداول فكرة الفيدرالية في اليمن لمواجهة المطالب الانفصالية.

السابق
على وقع تانغو أوباما – روحاني
التالي
الحزب والدولة