الحضارة المخادعة والأقنعة المتساقطة

عند النظر الى واقع التقدم التكنولوجي الذي تعيشه البشرية في أيامنا هذه , وسرعة الاتصال والتواصل بين أسقاع الكرة الارضية كافة , نشعر بداية بأن التطور الحضاري وصل الى درجة متقدمة تمكن من العمل على رفاه الشعوب الكافة , ولكن واقع الأمر مغاير تماما لما مفترض ان يكون عليه.
ربما المسؤولية لا تقع على عاتق التطور الحضاري كتطور حضاري وانما تقع على عاتق من يتحكم بمفاصل عملية تصدير هذه التكنولوجيا وأنواعها , ولا يمكننا أن نقول أن البشرية كافة تعيش في تغطية هذا التطور , بل هنالك قوى محددة تتحكم بمفاصل هذه العملية , وهي المسؤولة عن عملية ازدياد الهوة مابين الشعوب والأمم من حيث التطور التكنولوجي , وعملية تصديرها بحيث تظل متحكمة بمصادر القوة لتبقى مسيطرة على الشعوب الأخرى.
هنالك مفاهيم تطبق فعليا في بعض انحاء العالم , كالديموقراطية , وحقوق الانسان ,الحرية وحق الفرد بالحصول على المعلومة , ولكنها تطبق فقط في دول مححدة ولشعوب محددة تستطيع التمتع بها دون سواها , ولا يحق للأخريين الحصول عليها , لأن هذا من شأنه أن يضر بمصالح وعملية التحكم والسيطرة التي تستحوذ عليها دول محددة في العالم دون سواها, ويعمل على احداث خلل في النظام العالمي الجديد , الذي ظهر بعد الاستعمار المباشر الى الاستعمار الغير المباشر.
هذا المفهوم الذي تظهر بعد الحرب العالمية الثانية من خلال عملية تقاسم مناطق النفوذ بين الدول المنتصرة, من خلال عصبة الأمم , ومنظمة الأمم ألمتحدة التي اعطت لدول معينة أحقية النقد “الفيتو” وما هذا الحق الا انعكاس لنظام سياسي , متحكم و مسير للسياسة الدولية , أي أنه كباقي الأنظمة العالمية السابقة التي ترتكز على مفاهيم التحكم والسيطرة ولكن بأسلوب جديد وحلة متطورة وأنيقة.
فالبشرية لم تتغير في سلوكياتها و غرائزها , فما كان بالأمس, مازال موجود اليوم وربما تفاقم من ناحية التفنن بالاستعباد والارضاخ , نظام الغاب المسيطر, والقوي يأكل الضعيف والمصلحة هي العليا والباقي شعارات و صور جمالية تصب في مصلحة الهدف الأساس أي السيطرة , وما التطور التكنولوجي الا سلاح تفوق لخدمة فئة لارضاخ الأخريين , وما الا تطور لالة القتل والدمار , فالدمار دائما أسرع بأشواط من الاعمار , فان أصبحت سرعة الاعمار في بعض بقاع الأرض اسرع بأشواط عن ما كان في الماضي , الا أن دمار الكرة الأرضية باسرها يحسب الان في بضعة سوان .
بأي تطور بشري وحضاري يتغنون ؟ وما زال في أيامنا هذه شعوب تموت من الجوع ونقص الغذاء, و عن أي حقوق انسان يتكلمون؟ وهنالك شعوب ما زالت مستعبدة انما من قوى خارجية أو داخلية, وهنالك شعوب تقتل كالنعاج بالسلاح الكيماوي وغيره, وكل ذلك لأن المنادون بالديموقراطية المنشودة وحقوق الانسان , غضوا النظر لأن مصالحهم تتضارب مع حرية الشعوب المقموعة .
فعندما انتفض الشعب الليبي على النظام , هب أصحاب الشعارات المنادية بحرية الشعوب الى المساعدة وساعدوه عسكريا , فظن الجميع أن النظام العالمي وصل الى مرحلة الرقي الانساني , ولكن مع انتفاضة الشعب السوري وقف الجميع متفرج , وصمت الأذان وتشنجت الألسن و شلت الحركة ,مع أن ما حصل ويحصل من قتل ودمار في سوريا فاق بأشواط ما حصل في ليبيا.
اليوم يدرك الجميع أن الحضارة البراقة هي مجرد بريق خادع , خلفه نظام مقيط تتحكم به مصالح الدول الكبرى, التي ما كانت لتتدخل في ليبيا لولا وجود النفط وطموحها بالسيطرة عليه , أما في سوريا فلا يوجد ما يمكن الشعب السوري دفعه لهذه القوى التي سقطت أقنعتها على أبواب سوريا.

السابق
حدادة يتصل بوزير العدل ومدعي عام التمييز: حريصون على استقلالية القضاء
التالي
جلسة لفرعية اللجان لتعديل قانون الايجار التملكي غدا