ماذا سيفعل لبنان؟

الاتفاق الأميركي الروسي حول سورية يجب أن يعطي دفعاً للحل السياسي هناك ويشكل تمهيداً لمؤتمر جنيف 2 وتحضيراً للحوار بين السوريين وصولاً إلى إنهاء العنف في هذا البلد العربي.
وفي الأثناء ماذا سيفعل لبنان الذي يضعه عدد من سياسييه في ثلاجة الانتظار إذا لم يكن على حافة الحرب الأهلية والانهيار؟ فالبلد في حال شلل عام والناس يكتفون بشكر الله على أن يوماً مرّ من دون أن يمسّهم وأبناءهم وأحبابهم بمكروه بانفجار هنا أو إطلاق نار هناك. فأقصى طموحات اللبناني في الظروف الحالية أن يبقى بخير هو وأبناؤه وأقاربه. وشباب لبنان وشاباته لا يراودهم سوى حلم الحصول على تأشيرة للهجرة إلى أيّ بلد بعيد عن بلدهم. وعلى رغم ذلك فإن استحقاقات العام الدراسي تلاحق هؤلاء مثل ظلهم فالأقساط المدرسية والجامعية الرسمية والخاصة وأسعار الكتب والقرطاسية والمواصلات لا تغيب عن هواجسهم المعيشية ما عدا تأمين المأكل والمشرب الخالية من الأضرار الصحية إضافة الى المسكن والعمل.
إن المصلحة الوطنية تقتضي طمأنة الخارج الذي أكّد ممثلوه في لبنان وقادة بلدانه الوازنة مراراً وتكراراً أهمية استقراره بعيداً من الأزمات الملتهبة في محيطه. وهذا يتطلب بداية تأمين الاستقرار السياسي الغائب بشدة وسط شلل عمل السلطتين التشريعية والتنفيذية وفي ظل الفراغات الإدارية شبه الشاملة لكل مواقع الفئة الأولى في الإدارة فالبلد يعمل بالإنابة بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى وتحمله من تداعيات على تسيير شؤون الدولة والناس.
المبادرات السياسية كثيرة والمطلوب واحد هو قيام حكومة فاعلة أولاً واستئناف الحوار ثانياً. فقد جرى في الأسبوع الماضي سجال حول «إعلان بعبدا» لا يعرف حتى أصحاب الردود والردود المضادة الهدف منه ولا أسباب إثارته. فالسجال بهدف السجال وإبقاء الأوضاع على ما هي عليه من اصطفافات «خنفشارية» بين 8 و14 آذار تتحرك خبط عشواء باتت أمراً واقعاً يعاني منه المواطن. فالمهم على ما هو ظاهر أن تبقى القوتان السياسيتان ممسكتان بخناق البلد وتضغطان على أنفاس الناس. فأين الضرر لو اجتمعتا وتصالحتا؟ ألا يستحق البلد خطوات شجاعة تقيه شرور الأحداث الجسيمة التي تحصل في سورية؟ موسكو وواشنطن قرّرتا البحث عن تسوية بعيداً من الضغوط العسكرية لما فيها من مخاطر على المنطقة والعالم فلماذا لا يغتنم الفريقان هذه الفرصة التي أتاحها تلاقي مصالح دولتين كبيرتين في العالم؟ أليس بإمكان سياسيينا أن يحصّنوا بلدهم من آفات الفتنة والتفرقة وأن يصنعوا سلامهم بمزيد من التفكير في أهمية الحفاظ على هذا الكيان المتعدد في زمن تفكك الكيانات المحيطة وأن يرتقوا ببلدهم إلى مصاف الدول المتقدّمة إذا حافظوا على مجتمعهم وأعادوا النظر في السياسات التي تقوده إلى الفرقة والتهلكة؟
إن مصير جميع اللبنانيين مرتبط بالحفاظ على تعددية بلدهم وشرطها المساواة بينهم وشرط هذه المساواة قانون عادل للانتخاب يعتمد النسبية فلا يخاف أحد هيمنة أحد ولا يقصي أحدٌ أحداً. لقد قالت مختلف دول العالم كلمتها بالنسبة إلى لبنان: يجب ملء الفراغ الدستوري والإداري وحفظ استقراره.
نحن في حزب الحوار الوطني نرى أن الوقت مناسب لالتئام طاولة الحوار الوطني في بعبدا برعاية رئيس الجمهورية ميشال سليمان. ونجد أن مختلف المبادرات السياسية سواء مبادرة رئيس مجلس النواب نبيه بري أم مبادرة رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي وكل مشروع سياسي يجمع ولا يفرّق يصبّ في ناعورة الحل الممكن للخلافات القائمة. فلتكن طاولة الحوار مكاناً للتفاهم وليعمل الجميع من أجل الحفاظ على روح الدستور وجوهر الميثاق الوطني المعدّل في الطائف 1989 وإلاّ فإننا سنبقى في الدوامة بينما يجهد الحراك الدولي لحل مأساة سورية وقد يسبقنا الزمن… ونحن عنه غافلون.

السابق
غليون: النظام السوري هرب جزءا من سلاحه الكيميائي إلى لبنان
التالي
حمادة: سليمان كان مصمماً على تشكيل حكومة قبل سفره إلى نيويورك