الأسد لم يعد مفاوضاً مقبولاً

يرتبط حجم وأهداف الضربة العسكرية الغربية الوشيكة الى قوات النظام السوري بالرسالة السياسية الأساسية التي ستوجهها، وهي ان بشار الأسد لم يعد طرفاً مقبولاً للتفاوض على مستقبل بلاده في «جنيف-2». وهذا يعني ان مؤتمر التسوية المنشود قد لا يعقد ابداً اذا بقي في السلطة ولم يسلمها الى شخص او طرف آخر.

فقد صدر «حكم» دولي بإدانة الأسد وتحميله المسؤولية عن قتل المئات من المدنيين باستخدامه السلاح الكيماوي، وهذا يعني بوضوح تصنيفه ضمن «مجرمي الحرب» الذين يفترض ان يحاكموا وليس ان يتم التفاوض معهم والاستماع الى رأيهم في سورية الجديدة.

وبعدما انتظرت الدول الغربية والعربية طويلاً حصول إجماع في مجلس الأمن يكبح النظام السوري ويوقف آلته العسكرية عن القتل اليومي، وبعد مبادرات عدة ووساطات فشلت جميعها في اقناع الأسد بأن هناك معارضة شعبية يفترض ان يتفاوض معها لوقف تدمير سورية كبلد، بات ضرورياً ان يصار الى تحرك عسكري من خارج الأمم المتحدة لتحقيق هذا الهدف، بما يمهد الطريق امام التسوية بعدما لجأ الى اسلحة القتل الشامل.

وقد سبق للعالم ان شهد حالات عقاب مماثلة قررت فيها دول كبرى ان تقتص من حكام مستبدين من دون تفويض أممي، مثل الغارات التي شنتها الولايات المتحدة على مجمع باب العزيزية في ليبيا في 1986 بعد تحميلها نظام معمر القذافي المسؤولية عن تفجير ملهى لابيل في المانيا وقتل جنود اميركيين. لكن القذافي بقي في السلطة بعدها واستمر حتى اطاحته انتفاضة شعبية في 2011 رغم «تكويعة» سياسية شهيرة في 2003 ظن انها ستنقذه.

ومع ان الوضع في سورية حالياً يختلف عن الوضع في ليبيا آنذاك، نتيجة وجود معارضة سياسية مسلحة تسيطر على أكثر من نصف الاراضي السورية وتهدد دمشق ومدناً رئيسية أخرى، فإن المخططين السياسيين والعسكريين الغربيين يفترض ان يأخذوا في حسابهم ان بقاء الأسد في السلطة بعد الضربة المقررة يعني عملياً فشلها رغم التصريحات المتكررة عن ان اسقاط النظام ليس هدفهم. لأن العملية العسكرية المحدودة لن تكون كافية بحد ذاتها اذا لم تؤد الى خلخلة المنظومة التي يستند اليها الأسد في المحافظة حتى الآن على ولاء القسم الأكبر من الجيش السوري النظامي.

وبكلام آخر، فإن الصواريخ والطائرات الاميركية والبريطانية والفرنسية يفترض ان توجه ضربات مفصلية موجعة فعلاً تفضي الى انهيار لاحق لنظام الاسد الذي سيكون مسؤولاً امام كبار ضباط الجيش عن الأذى الكبير الذي سيلحق بقواتهم، وعن الذريعة التي وفرها للضربات بقراره استخدام السلاح الكيماوي.

لكن ماذا لو لم يحصل كل هذا وبقي الجيش السوري، ولو منهكاً، متماسكاً بأمرته؟ عندها لا بد من العودة الى ما تطالب به المعارضة السورية منذ بدأ النظام في استخدام العنف ضد المتظاهرين سلماً، ثم انتقل الى الاسلحة الثقيلة وصولاً الى تسليط الطيران والصواريخ على المناطق الخارجة عن سيطرته، وهو فرض مناطق حظر جوي وممرات آمنة للاغاثة، والأهم من هذا كله التخلي عن التحفظات الغربية المبالغ فيها واتخاذ قرار بتزويد المعارضة اسلحة تمكنها من تعديل الخلل في ميزان القوى وكسب المعركة بنفسها.

السابق
مغامرة أوباما: أي هدف استراتيجي ؟
التالي
رويترز: الجيش السوري يغادر منطقة مطار دمشق الدولي