بين طرفين… ومقتلتين

وجّهت الاتهامات بعد تفجير الرويس في الضاحية الجنوبية الى “التكفيريين”. لذلك اندفعت الاتهامات بعد تفجيري المسجدين في طرابلس الى خصوم “التكفيريين”. انه الثأر المفتوح، ضربة مقابل ضربة.

وفي طرابلس لم يرد مدبّر العملية الانتقام فحسب، بل أراده انتقاماً ردعياً. وصلت رسالته، لكن يصعب القول أنه أفلح في الردع. ففي لبنان اليوم طرفان، أحدهما معروف وله وجود ووجوه، حتى في الحكومة، والآخر مجهول الوجوه والهوية والمرجعية، ويُستدلّ من تجاربه السابقة أنه لا يرتدع أبداً. استناداً الى الواقع الراهن، وبمعزل عن الخلفية “النضالية” لهذين الطرفين، بات المجتمع يراهما شديدي التشابه في استشراسهما واحتقارهما أمن اللبنانيين وسلامتهم، كذلك في تجاهلهما الدولة والتصرف باعتبارها غير موجودة.

المؤكد أن الجهة الاجرامية ليست هي نفسها التي ضربت في ضاحية بيروت وطرابلس، أي أننا لسنا ازاء “طرف ثالث” يقتل شيعةً هنا ثم يقتل سنّةً هناك ليظفر بفتنة مذهبية، على افتراض أن لديه خطة لاستغلال هذه الفتنة وتوظيفها في مشروعٍ مرتبط بسعي النظام السوري الى انقاذ نفسه، أو برغبة اسرائيل في زعزعة بقايا استقرار هشّ في لبنان. وإذ وجد كثيرون في تفجيري طرابلس اقتباساً من “مخطط سماحة – مملوك”، ولا شيء مستبعداً، فإن تحليل مجمل ما توافر من معلومات وتحليلات وانطباعات يبقي الجهة المجرمة الجانية في اطار لبناني محلي. مثل هذه الخلاصة لم يتوافر في حال تفجير الرويس، حتى لو كان هناك لبنانيون ساهموا فيه من خلال انضوائهم في مجموعات ظلامية. والواقع أن من ارتكبوا هذه التفجيرات، على اختلاف مشاربهم، يستطيعون التراشق بتهم “التكفير” وغيرها، فجميعهم في القتل كافرون ليس لهم دين ولا قيم.

اختار الطرفان التبارز على أرض لبنان وفي ساحته، كنشاط مكمّل لما يفعلانه داخل سوريا. لكن التطورات المقبلة على سوريا ستجعل مواجهتهما في لبنان مجرد صفحة سوداء في حرب ساهما، كلُ من جهته، في جعلها واحدة من أكثر الحروب قذارةً. لا مجال لمحاورة المتحدّرين من تنظيم “القاعدة” وفكره بأي لغة نصح أو موعظة حسنة. كانوا يعرفون أن لا مستقرّ ولا مستقبل “جهادياً” لهم في لبنان، غير أن الحالة التي أنشأها “حزب الله” في البلد ثم ذهابه الى القتال في سوريا، غيّرا اقتناعاتهم. في المقابل، تتوالى المطالبات لـ”حزب الله” كي ينسحب من سوريا، ويبقى فعلاً في دوره المقاوم ويجنّب لبنان واللبنانيين، وليس فقط جمهوره، النتائج الكارثية لمغامرته. ولا شك في أنه في مستقبل قريب سيندم على تجاهله كل المناشدات، وربما يردد “لو كنّا نعرف…”! لكن بعد فوات الأوان.

السابق
أردوغان والتطاول على شيخ الأزهر
التالي
تعيين محمد باقر نوبخت ناطقا باسم الحكومة الايرانية