ماذا بعد الضربة الصاروخية لسورية؟

طيران امريكي

ما كان متوقعاً، بات مؤكداً: الضربة العسكرية الأميركية- الاوروبية لسورية ستتم خلال الأيام القليلة المقبلة، وربما تأتي مباشرة بعد نشر التقرير المنتظر لأجهزة المخابرات الأميركية حول الهجوم الكيميائي على الغوطة.
سيناريو هذه الضربة بات واضحا: قصف بصواريخ كروز “توماهوك” بعيدة المدى من السفن الحربية الأميركية التي تقف الآن في شرق المتوسط قبالة الساحل السوري، وربما أيضاً من سفن بريطانية وفرنسية ومن القواعد العسكرية البريطانية والأطلسية في كل من قبرص اليونانية وتركيا.
القصف سيستهدف بالدرجة الأولى الدفاعات الجوية والمطارات العسكرية السورية، وقد يشمل أيضاً مقرات تحكم وقيادة عسكرية ومدنية سورية، بما في ذلك ربما بعض القصور الرئاسية.
هدف الهجوم، الذي قد لا يستمر أكثر من يومين، سيقتصر على “معاقبة” النظام السوري بعد ادانته رسمياً في واشنطن وعواصم القرار الأوروبي الثلاث باريس ولندن وبرلين باستخدام الأسلحة الكيميائية في غوطتي دمشق، ولن يتضمن العمل لا على تغيير النظام ولا قلب المعادلات العسكرية الراهنة على الأرض بشكل جذري.
عناصر جانبية
بيد أن المحللين يعتقدون أن هدف هذه العملية العسكرية قد يتضمن عناصر جانبية أخرى، خاصة بعد أن بدا واضحاً أن ثمة توجًّهاً لدى القوى الغربية لتوجيه ضربات أيضاً إلى الجماعات الجهادية الأصولية في سورية، والتي تنشط أيضاً في العراق، جنباً إلى جنب مع ضرب النظام. وهذا بالتحديد ما برز واضحاً في مؤشرين إثنين:
الأول، الاجتماع الموسّع الذي عقده أمس (وقد يستمر اليوم) القادة العسكريون من دول غربية وشرق أوسطية في عمّان، والذي وضع على رأس جدول أعماله خططاً لإضعاف المنظمات المتطرفة في سورية، في الوقت نفسه الذي يتم البحث فيه في المضاعفات المحتملة للضربة العسكرية الغربية ضد سورية على دور الجوار ( العراق، الأردن، تركيا ولبنان).
والثاني، هو التحذير الذي أطلقته مؤسسة دراسات الحرب الأميركية ( ISW) وثيقة الصلة بالبنتاغون، من أن الاكتفاء بتوجيه ما أسمته “ضربة تكتيكية” للنظام السوري من دون استراتيجية واضحة المعالم، ستكون من دون جدوى وقد تؤدي إلى عكس المرجو منها.
النقاط الرئيس في دراسة المؤسسة:
– السفن الحربية الأميركية في شرق المتوسط باتت مستعدة لقصف سورية بصواريخ توماهاك بعيدة المدى. مثل هذا الهجوم سيتسبب بدرجات متباينة من الأضرار لقدرة النظام السوري على استخدام المزيد من الأسلحة الكيميائية، أو مواصلة عملياته ضد المعارضة بشكل فعال.
– الضربة لن تتمكن من إزالة القدرات العسكرية أو الكيميائية للنظام، ولن تُسبب أكثر من خفض مؤقت في عملياته العسكرية.
– بيد أن مثل هذا الهجوم سيكون عديم الفعالية، ما لم يكن جزءاً من جهد متسق لتحقيق أهداف استراتيجية عليا أميركية، في مقدمها إلحاق الهزيمة بالمنظمات المسلحة المتطرفة في سورية، لصالح المنظمات المعتدلة والعلمانية التي يجب مساعدتها لمجابهة المتطرفين الجهاديين.
– العمليات العسكرية المحدودة بصواريخ توما هوك لن تحقق وحدها مثل هذه الأهداف.
وتوضح مصادر دبلوماسية أن الولايات المتحدة وحلفاءها، سيكونون مضطرين بعد الضربة العسكرية إلى الأخذ برأي مؤسسة دراسات الحرب هذا، الذي تؤيده أطراف عديدة في وزارتي الخارجية والدفاع الأميركيين، كما لدى القوى الإقليمية الشرق أوسطية الحليفة لأميركا.
وهذه الخطوة، أي إضعاف المنظمات المتطرفة، سيصبح على أي حال حتمياً، لأن الغرب لن يسمح بتحويل الضعف الذي سيطرأ على النظام بعد الضربة إلى قوة لهذه المنظمات.
النظام.. يرد
كيف قد يرد النظام السوري على هذا الهجوم؟
الأرجح أن الجواب سيكون كالمعتاد، كما مع الهجمات الإسرائيلية عليه،: سنرد في الزمان والمكان المناسبين. وهما، كما هو معروف زمان ومكان لا يأتيان أبدا مثلما كان الحال طيلة ثلاثين سنة.
وهذا الأمر بات مؤكدا بعد أن أعلنت روسيا صراحة أنها “لن تقاتل مع أحد في سورية”، وبعد أن نأت إيران بنفسها عملياً عن مسألة الأسلحة الكيميائية.
وبالتالي، سيكون النظام وحيداً هذه المرة دولياً وإقليميا، ولن يكون أمامه سوى لعق الضربات واستيعابها، ثم أطلاق الأبواق الإعلامية التي تتحدث عن الصمود والتصدي، وأيضاً عن “الحرب الصليببة” عليه.
مضاعفات أهم
صحيح أن النظام لن يسقط بعد هذه الضربة، لكنه سيهتز بعنف ليس فقط بسبب الخسائر العسكرية التي سيمنى بها، بل أيضاً لأن الضربة الصاروخية ستغل يد النظام في مجال استخدام أسلحة الدمار الشامل (بما في ذلك صواريخ سكود).
بيد أن الأهم أن الضربة المتوقعة ستدشن نهاية “النأي بالنفس” التي مارسها الرئيس الأميركي أوباما عن الأزمة السورية (وباقي أزمات الشرق الأوسط في الواقع)، على رغم الأهوال الإنسانية الهائلة التي أفرزتها هذه الأزمة. فدخول الحمام السوري، ليس كما الخروج منه، كما يقول المثل الشعبي العربي.
هذا الدخول سيعني اموراً عدة على الجانبين الأميركي والسوري.
فهو سيعني، أولاً، أن سياسة اوباما الخاصة بالاستدارة شرقاً نحو آسيا- المحيط الهاديء والصين، بعيداً عن الشرق الأوسط، ستشهد تعديلات أساسية عليها. إذ لن يكون بمقدور أوباما، حتى ولو أراد، بعد الضربة الجوية- الصاروخية أن يتنصل مما يجري في سورية، بل سيكون لزاماً عليه المتابعة الدقيقة لمحصلات مابعد الضربة، وإلا فأن مخاوف مؤسسة دراسات الحرب الأميركية من النجاح التكتيكي والفشل الاستراتيجي للضربة، ستصبح نبوءة ذاتية التحقق.
علاوة على ذلك، ستؤدي الضربة، كما أشرنا، إلى ضعضفة النظام السوري وتقوية شوكة المنظمات الجهادية، التي باتت تلعب في الآونة الأخيرة الدور الرئيس في العمليات العسكرية. ولذلك، ستجد إدارة أوباما نفسها ملزمة بتقوية المعارضة المعتدلة السورية. وهذا قد يتعزز إلى حد بعيد إذا ماعمدت الولايات المتحدة إلى قصف تجمعات جبهة النصرة والدولة الإسلامية في العراق والشام، في خضم توجيه الضربة العقابية للنظام السوري.
أما على الصعيد الداخلي السوري، فيتوقع أن تدخل الأزمة بعد الضربة مرحلة جديدة تتساوى فيها موازين القوى الدولية والإقليمية بين الولايات المتحدة وحليفاتها وبين روسيا وإيران وحليفاتهما، الأمر الذي يجعل من مسألة الحل السياسي الدولي للأزمة احتمالاً وارداً. هذا ناهيك عن أن الضربة ستؤدي إلى التدويل العسكري والدبلوماسي الكامل للأزمة السورية.
وهذه النقطة الأخيرة قد تكون المحصلة الأهم للضربة المرتقبة.

السابق
تدابير أمنية للجيش في صيدا
التالي
احتمال شن ضربات جوية على سوريا بدءا من الخميس