النفط اللبناني في خطر

لطالما وجّهت النصائح للبنان للإسراع في الاستفادة من ثروته في النفط والغاز.

إسرائيل على الباب. سطت على النفط الفلسطيني، وعينها على النفط اللبناني وباتت قاب قوسين أو أدنى منه، ولم يعد يفصلها عنه سوى كيلومترات قليلة جداً إلى الجنوب من المنطقة الاقتصادية الخالصة للبنان.

ومع اقتراب اسرائيل بحفرياتها النفطية نحو الحقول اللبنانية، يصبح من البديهي اعتبار ثروة النفط والغاز آيلة للقرصنة والسقوط في يد العدو. خاصة أن التقنيات التي يملكها قد تتيح له شفط النفط في غفلة من اللبنانيين، وليس من يحاسبه أو يردعه في ظل هذا الفلتان الدولي.

تأخر لبنان وسبقته إسرائيل في استثمار الثروة النفطية والغازية الفلسطينية وبدأت بالإنتاج للاستهلاك المحلي وللإتجار. وهذا التأخير في الاستثمار وترك النفط اللبناني غارقاً ومعه الغاز، لا بل ضائعاً في أعماق البحر، لم يكن مبرراً أصلاً، كما أن تركه غارقاً في بحر المزايدات والفراغ السياسي والمناكفات والاشتباكات بين من يفترض أنهم في موقع المسؤولية، لم يعد مبرراً أيضاًَ.

إسرائيل باتت على باب النفط. في التقدير أنها على بعد أقل من أربعة كيلومترات عن الحقول اللبنانية، وليس من أحد يعلم ما تخفي اعماق البحر من أسرار، فربما هي أقرب من ذلك بكثير. وهذا يضع لبنان أمام مسؤولية وواجب التحرّك بما تيسر له من إمكانات لدرء هذا الخطر وتوفير نوع من الحماية والوقاية لهذه الثروة بما يبعدها عن فم التنين الإسرائيلي.

ثمة علامة مبشرة باهتمام الشركات الدولية والغربية، وثمة علامة مريبة بهذا الاهتمام الأميركي فوق العادي من المعني بملف النفط بين لبنان وفلسطين فريدريك هوف ومن مساعد وزير الخارجية الاميركية لشؤون الطاقة اموس هوشستاين الذي حضر الى لبنان عارضاً المساعدة في هذا المجال، الى الشركات الاميركية المشاركة في المزايدات لعمليات التنقيب.

كل ذلك يلقي الكرة في ملعب الدولة لعلها تبادر إلى خطوة ما أو إجراء ما، سواء عبر الحكومة وإن كانت مستقيلة، أو عبر مجلس النواب، وعلى قاعدة أن الضرورات تبيح المحظورات، وقبل أن يسبقها العدو الى نفطها. وليس ما يبرر أي تقاعس، خاصة ان هذا الملف يفترض انه ملف اجماعي يلتقي حوله الجميع، كما يقولون. فرئيس الجمهورية، كما ينقل عنه، متحمس لوضع هذا الملف في رأس الأولويات، ورئيس مجلس النواب يعتبر ان النفط امل لبنان والاجيال القادمة وانه مع مضاعفة الجهود وتعجيل العمل المتعلق بتصنيف الشركات ودورات الترخيص، ورئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي مع كل تسهيل ولن يسجل عليه انه أخّر مسار التنقيب عن النفط، ووزير الطاقة يقول إن حماية النفط باستخراجه، واما على مستوى الفرقاء الآخرين فالكل يراهن على الثروة. أما «حزب الله» فذهب الى المدى الأبعد في حماية النفط اللبناني برفع معادلة النفط مقابل النفط.

يستنتج من ذلك، انه لا توجد عقدة داخلية، كما يستنتج أن ليس ما يوجب إغفال هذه الثروة أو إهمالها بذريعة ان البلد في حال تصريف أعمال أو ما شابه من توصيفات تعطيلية، خاصة أن «هيئة ادارة قطاع البترول» المشكّلة حديثاً، برضى كل القوى السياسية، قد وضعت تقريراً تقنياً قبل ايام قليلة، حددت فيه مكامن النفط والغاز اللبناني والخطر الإسرائيلي عليها، وتقترح فيه حلولاً. وبات هذا التقرير، الذي حصلت «السفير» على نسخة منه، في أيدي السلطات الرسمية والرئاسات، علماًَ أنه يتضمن الخلاصات والاستنتاجات التالية:

نص تقرير هيئة إدارة البترول
أولاً، في السياق:
في الخامس عشر من أيار 2013، أعلنت شركة «نوبل إنرجي» (Nobel Energy) و«مجموعة ديليك» (Delek Group) اللتان تعملان على التنقيب في ما يسمى الرقعة «ألون س« (Alon C) اكتشافاً مهما قدّر بتريليوني قدم مكعب من الغاز (2TCF) في حقل يسمى «كاريش» (تقدّر مساحته بـ150 كلم2) والذي يبعد حوالي أربعة كيلومترات عن حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة للبنان مع فلسطين المحتلة.

ما تزال الأعمال التقويمية أو التجريبية وخطط الإنتاج التي تعمل عليها إسرائيل في هذا الحقل غير معروفة. إلا ان إنتاج الغاز من حقل «كاريش» متوقع خلال مدة تتراوح بين سنة وثلاث سنوات في ما يتعلق بالاستعمال المحلي (في إسرائيل)، وخلال مدة تتراوح بين ثلاث إلى خمس سنوات في ما يتعلق بتصدير الغاز.

من الجانب اللبناني أظهرت البيانات الجيولوجية المتأتية من المسوحات الزلزالية والأبحاث الجيوفيزيائية التي أجريت في المياه البحرية اللبنانية، ولا سيما في القسم الجنوبي من المنطقة الاقتصادية الخالصة للبنان، إمكانات بترولية مرتفعة تقدّر بحوالي خمسة عشر تريليون قدم مكعب (15TCF) (تؤكد عملياً عند حفر بئر استكشاف)، حيث انه من المتوقع أن يبدأ الإنتاج اللبناني للغاز خلال مدة تمتد من ست إلى ثماني سنوات في ما يتعلق بالاستعمال المحلي، وخلال ثماني إلى عشر سنوات في ما يتعلق بتصدير الغاز. وكل ذلك في حال تم التقيّد بالبرنامج الزمني الموضوع من قبل هيئة إدارة قطاع البترول والموافق عليه من قبل مجلس الوزراء في قراره رقم 41 تاريخ 27/12/2012 والذي يحدّد البدء الفعلي للأنشطة الاستكشافية في المياه البحرية في شباط من العام 2014.

تظهر البيانات الحالية أن المسافة بين «المكامن» في المياه البحرية اللبنانية وحقل «كاريش» هي حوالي سبعة إلى تسعة كيلومترات (يبعد «كاريش» عن حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة حوالي أربعة كيلومترات).

ولكن نظراً لغياب البيانات الجيولوجية في المنطقة الحدودية الجنوبية في المياه البحرية اللبنانية المحاذية لحقل كاريش، لا يمكننا التحديد بدقة ما إذا كان مكمن «كاريش» ممتداً إلى أكثر من المسافة التي أعلنها الإسرائيليون، وبالتالي قد يكون أقرب في المسافة إلى «المكامن» الموجودة في المياه البحرية اللبنانية.

وبناء عليه، يقتضي الأخذ وعلى محمل الجد إمكانية وجود اتصال بين «المكمن الاسرائيلي» و«المكامن» الموجودة في المياه البحرية اللبنانية.

ثانياً، التأثير على «المكامن» في المياه البحرية اللبنانية:
بناء على ما تم ذكره آنفاً، يصح طرح السؤال حول مدى تأثير خطة الإنتاج الإسرائيلية من حقل «كاريش» على «المكامن» الموجودة في المياه البحرية اللبنانية.

وهنا يدفعنا عدم توفر البيانات الجيولوجية في قسم من المياه البحرية اللبنانية على الحدود الجنوبية، إلى البحث في احتمالين:

– الاحتمال الأول: أن يكون لحقل «كاريش» اتصالا بالمكامن الموجودة في المياه البحرية اللبنانية:

إن الاتصال بين حقل «كاريش» و«المكامن» اللبنانية يعني أمرين:

1ـ إن الإنتاج من المكمن الإسرائيلي سوف يؤثر على المخزونات البترولية في «المكامن» اللبنانية.

2ـ إن الأفضلية في الإنتاج ستكون للطرف الذي يبدأ باستغلال المكمن قبل الطرف الآخر، ويعطيه ذلك موقعاً أفضل في استخراج كميات من الغاز من المكامن الأخرى (المكامن اللبنانية). ويتوقف استخراج هذه الكميات من الغاز على الخصائص التي يتمتع بها المكمن لنواحي الامتداد والسماكة (thickness) والنفاذية (permeability) والمسامية (porosity)، والتي لا تزال غير معروفة حتى الآن.

وعلى الرغم من بقاء خطة الإنتاج الإسرائيلية في حقل «كاريش» مجهولة، إلا ان الإنتاج من هذا الحقل سيزيد من احتمال شفط الموارد البترولية اللبنانية الموجودة على الجانب اللبناني من الحدود مع فلسطين المحتلة. ونتيجة لذلك، يمكن أن تستهدف إسرائيل من خلال نقاط الإنتاج التي ستعتمدها في حقل «كاريش»، الموارد البترولية اللبنانية.

من ناحية أخرى، وفي حال عدم وجود تجانس من ناحيتي النفاذية (أي قياس قدرة المكمن على تمرير موائع من نفط وغاز). والمسامية (مجموعة من الفجوات المتصلة أو غير المتصلة في المكمن والتي قد تحمل موائع من نفط وغاز) بين المكامن على جانبي الحدود (لبنان وفلسطين المحتلة)، قد تكون هناك حاجة لدى الإسرائيليين إلى حفر آبار باتجاهات أفقية لجعل الإنتاج من المكامن أكثر سهولة، مما سيسهل للإسرائيليين شفط الموارد البترولية اللبنانية. (يرجى مراجعة الاحتمال الثاني).

باختصار، في حال وجود اتصال بين «المكامن» اللبنانية الجنوبية وحقل «كاريش»، فإن ذلك يجعل شفط الموارد البترولية اللبنانية من «المكامن» الجنوبية، من نقاط الإنتاج الإسرائيلية، ممكناً تقنياً. مع التذكير بعدم إمكان تقدير الكميات التي يمكن شفطها بسبب النقص الحاصل في البيانات الجيولوجية في المواقع القريبة من جهتي الحدود (لبنان. فلسطين المحتلة).

– الاحتمال الثاني: الا يكون لحقل «كاريش» اتصال بالمكامن الموجودة في المياه البحرية اللبنانية:

في حال عدم وجود اتصال بين «المكامن» اللبنانية الجنوبية وحقل «كاريش»، هل يبقى خطر شفط الموارد البترولية اللبنانية من قبل الإسرائيليين قائماً؟

من الناحية التقنية، من الممكن توجيه انسياب النفط والغاز إلى خارج الحدود اللبنانية، وذلك بواسطة الحفر باتجاه أفقي، أي من خلال آبار أفقية.

وتجدر الإشارة هنا إلى ان الآبار الأفقية أصبحت تستخدم أكثر فأكثر في الصناعة البترولية ولا سيما في أنشطة التطوير والإنتاج. فقد تم بالفعل حفر آبار باتجاه أفقي وصلت إلى أكثر من عشرة آلاف متر على البر وكذلك في المياه البحرية.

إن حفر الآبار الأفقية يعتمد لتحقيق هدفين:
1ـ تحقيق الاتصال الأفقي عبر التقطعات الموجودة في المكامن في حالتي الانسداد (faults) والكسور (fractures) وغيرها من الحالات.

2ـ زيادة الغوص في المكمن من أجل زيادة معدل الإنتاج منه.

بالاستناد إلى البيانات المتوفرة حالياً، يظهر لنا ان حقل «كاريش» يبعد حوالي أربعة كيلومترات عن الحدود الجنوبية للمنطقة الاقتصادية الخالصة للبنان، وسبعة إلى تسعة كيلومترات عن أي «مكمن» لبناني في الجنوب (مع التذكير بأن هذه المسافات قد تكون أقرب في حال الاستحصال على بيانات اخرى من خلال القيام بأنشطة الاستكشاف في المياه البحرية اللبنانية)، وبالتالي يمكن لإسرائيل الوصول إلى المكامن اللبنانية الجنوبية من خلال حفر أفقي بطول ثمانية كيلومترات.

أما إذا تم حفر بئر بطول عشرة آلاف متر أفقياً، فإن خطر التعرض للمكامن اللبنانية الجنوبية من قبل الإسرائيليين سيزداد، وسيزيد من معدل إنتاج الموارد البترولية اللبنانية من الجانب الإسرائيلي.

باختصار، وحتى في حال عدم وجود اتصال بين «المكامن» اللبنانية الجنوبية وحقل «كاريش»، تبقى إمكانية شفط الموارد البترولية اللبنانية من الجانب الآخر للحدود (فلسطين المحتلة) عن طريق حفر الآبار الأفقية قائمة، وهذه الآبار يمكن حفرها أفقياً من حقل «كاريش» باتجاه المكامن اللبنانية الجنوبية إلى مدى قد يصل إلى عشرة آلاف متر أفقياً.

ثالثاً ـ توصيات:
بناء على كل ما تقدّم، توصي هيئة إدارة قطاع البترول باتخاذ الخطوات السريعة التالية:

1ـ المضي قدماً في إقرار مرسومي تقسيم المياه البحرية اللبنانية إلى مناطق على شكل رقع (بلوكات) ودفتر الشروط لدورة التراخيص الأولى ونموذج إتفاقية الاستكشاف والإنتاج.

2ـ استكمال الخطوات التنفيذية لدورة التراخيص الأولى وصولاً إلى تلزيم البلوكات لبدء أنشطة الاستكشاف والإنتاج في أسرع وقت ممكن، للحد من الخطر الإسرائيلي المتربص بالموارد البترولية اللبنانية في جنوب لبنان.

3ـ التقيّد بالاستحقاقات المحددة بموجب خطة العمل والموافق عليها من قبل مجلس الوزراء بالقرار 41 تاريخ 27/12/2012.  

السابق
الداعوق:مقام الافتاء من المقامات المحصنة وعلينا الحفاظ عليها
التالي
مدفع رمضان في القدس يربط الماضي بالحاضر