14 آذار: قليل من الذكاء

تمايز ميشال عون مؤخراً، لم يُربك 8 آذار فقط. إن كانت قد أُربكت أساساً. تلك القوى وعلى رأسها حزب الله، تخوض معارك على نطاق أوسع من طريق الرابية ـ حارة حريك، أو مار مخايل وتفاهماتها. الحاجة إلى الغطاء المسيحي ـ العوني، شأن لبناني. الحزب اليوم، سلّم أولوياته ليس في لبنان. الغريب، أن تكون قوى 14 آذار هي المربكة. حتى حين يقترب منها عون، يُربكها.

 

إلى الآن، قام عون بأكثر من خطوة، لم تكن فقط كرسالة إلى حلفائه وتحديداً إلى حزب الله. هو، لم يخرج إلى العلن ليتحدث عن امتعاض ما. ذهب مباشرة إلى راعي فريق 14 آذار، إلى السعودية. لقاء أوّل بين جبران باسيل والسفير السعودي على عواض عسيري، ومن ثم غداء في الرابية على شرف ممثل المملكة في لبنان. ذهب عون إلى راعية الحرب على سوريا كما يصفها الممانعون.

 

بدل أن تخرج قوى 14 آذار من خطابها الضيّق والقديم، المبني على التشكيك، وعلى إسقاطات قد تكون صحيحة لكنها بالتأكيد لا يمكن أن تدخل إلى العمل السياسي أو الموقف السياسي كمُقرر أو كنقطة ارتكاز في الحكم على ما بعد خطوة عون. ذهبت سريعاً إلى الحديث عن مراوغة ومحاولة مكشوفة لـ8 آذار كي تحصل على الثلث المعطل. هذا الكلام قد يكون منطقياً لو قرّر عون لقاء فؤاد السنيورة على سبيل المثال، لكن أن يذهب إلى السعودية، فهذا يعني أن الأمور أبعد من ذلك بكثير، أو على الأقل، طريقة التصرّف وردة الفعل كان يمكن أن تكون أذكى مما كانت عليه. دائماً لا تفاجئ 14 آذار جمهورها بالقليل من الذكاء والحنكة.

 

لم تنتبه هذه القوى أن عون الذي يريد أن يكون في الوسط على طريقته، هو نفسه من غطى حزب الله طيلة السنوات الماضية. لم تنتبه أيضاً إلى أن رئيس التكتل ذهب إلى السعودية في عز الدخول حزب الله في الحرب السورية، إلى جانب النظام السوري، الحليف الأقوى لإيران في المنطقة. لم تنتبه أيضاً إلى ما يعني خروج حليف حزب الله المسيحي عن خط رُسم بعناية منذ العام 2005، وساهم في إضعاف وتقويض كل فرصة أمام فريق الدولة كي يعبر إلى دولته الموعودة.

ميشال عون، شاءت قوى 14 آذار أم أبت، قدّم لحلفائه ما لم تُقدمه هي في ما بينها، مثال على ذلك حين ذهبت الأحزاب المسيحية إلى القانون الأرثوذكسي، وتركت من تركت وراءها من حلفاء، ولم تفلح حتى في مزاحمة عون مسيحياً، لا بل العكس، انتهت الأمور إلى مضي هذه الأحزاب بالتمديد، فيما هو كان مستعداً لانتخابات ولو بالستين، لأنه استطاع كسب شارع فوق شارعه.

 

ميشال عون، هو الذي أعاد لتحالف شكراً سوريا القليل من الحياة في زمن الحشد الدولي ضده، وهو من ساهم قبل أي أحد، في بدء معركة إسقاط انتفاضة الاستقلال في اليوم التالي على نهاية حرب تموز عام 2006، وهو نفسه الذي بدأ 7 أيار إعلامي على فريق "الدولة"، قبل أن يغطي الحزب في معركة السلاح لحماية السلاح، وهو نفسه الذي إن شاء أركان 14 آذار أم أبوا، حصد عند المسيحيين ما لم يحصده سواه، واستطاع أن يغري حزب الله بقوّته في الشارع، قبل أن يأخذ من الحزب ما يريده حكومياً وغير حكومياً. هو، ميشال عون الذي حارب المحكمة الدولية بوجهه المسيحي، دفاعاً عن حزب طائفي.

 

قد يُفهم موقف الأحزاب المسيحية في 14 آذار من الإنفتاح العوني على السعودية، فهي لها معه تاريخ من النزاع على ملكية الطائفة، وأي تقارب بينه وبين راعي هذه القوى، يريبها. لكن، أن يرتاب تيار المستقبل من هذا الإنفتاح، فهو يعني امرين لا ثالث لهما: إمّا أن يكون ارتباطه بالسعودية محل شك وخوف، وهذا مُستبعد لأنه في النهاية الخيار السنّي الوحيد لدى المملكة، وإمّا أنه لم يعتد على استثمار اختلاف خصومه للإستفادة في معركته الكبرى. وبالحالتين، يبقى المستقبل أسير سياسة ظرفية، لا أفق لها.

 

ليس المطلوب من قوى الاستقلال أن ترتمي بأحضان رئيس التكتل، على الأقل بإمكانها أن تُفكر قليلاً للمستقبل. حين أتى ميشال عون، أو أوحى بأنه قادر على الخروج من حلفٍ ضمن للحزب استمراريّته وزاد من قوّته، تراجعت 14 آذار على جاري عادتها. غاب عنها الذكاء مرّة جديدة، وكأنها لم ترفع يوماً شعار "لأ للسلاح".

المصدر: جريدة المدن الألكترونيّة
 

 

السابق
حكومة “خاضعة” أو لا حكومة!
التالي
صناعة الخرافة