فوضى السلاح ثقافة لبنانية لا تبشر

 

يبدو ان حضور السلاح في الساحات اللبنانية بات أشدّ من حضور القوانين وحتى حضور الدولة ذاتها، في ظاهرة تستدعي الالتفات لها وعدم التغاضي عنها لما تتضمّنه من تأثيرات سلبية على أمن المواطن اللبناني وسلامته، ومن بينها سلاح العائلات التي تستعين به الأخيرة كطريقة لفضّ الخلافات الشخصية وحسمها من منظورها الخاص.

لم تعد مسألة تفشّي السلاح في المجتمعات اللبنانية مجرّد ظاهرة، بل تعدّت ذلك لتقارب مفهوم الثقافة المعتمدة من قبل بعض الأفراد والأُسَر فضاً لنزاعات أو تدعيماً لحضورٍ على الساحة. البعض يستخدمها للتخويف، فيما البعض الآخر ينتهز فرصة الضغط على الزناد عند أوّل مشادّة كلامية، لتغدو العناصر في المشهد: ضحايا وترويع و"طفّار" أو خارجون عن القانون.


رصاص طائش


رقيّة مظلوم، شقيقة شاب قضى منذ عامين برصاص طائش، أثناء نشوب خلاف بين شخصين في محلّة حي السلّم في الضاحية الجنوبية، تقول انّ الحظ العاثر هو ما دفع أخاها للمرور في الحي، الذي لم يغادره الا قتيلاً محمولاً على الأكتاف. وفي الوقت الذي تقول فيه ان كلّ "الحق عالدولة"، تشير الى انّ القتلة لا يزالون خارج اطار العقاب المفترض لهم، بل ولا يزالون يحملون أسلحتهم ويتجوّلون بها بشكل علنيّ.


من جهته، يروي لنا رامز الحلباوي، الشاب العشريني، مشهد نجاته بأعجوبة من رصاصات طائشة كادت أن تقضي عليه "لولا لطف الله"، الحادثة لم تكن أثناء اندلاع اشكال ما، وانما عندما كان أحدهم بصدد التعبير عن فرحته في احدى حفلات الزفاف.


سلاح العائلات


انتشار ثقافة التسلّح في لبنان لا تقتصر فقط على مفاهيم السلاح الفردي، وانما تشمل الأسلحة المتوسطّة التي باتت في متناول يد عائلات عديدة. يقول أحد أبناء (عشيرة) معروفة – لم يرغب بذكر اسمه – "اننا للأسف بتنا في وضع تُقاسُ به العائلة حسب مخزونها من الأسلحة، فتلك التي تفضّل عدم امتلاك السلاح، يستقوي عليها كُثُر". أما عن الأسباب التي تؤدّي الى استخدام ذلك السلاح العائلي أو العشائري، فيشير في البداية الى أنه موجود "حتى يحمي ساحتنا" وكي لا يتجرأ أحد على الاعتداء علينا.


فيما يقول أبو صبحي جعفر – أحد وجهاء العشيرة – انّ هناك ترشيدا لاستخدام السلاح، هو لا يُوَجّه الا عندما تحكم الضرورة، لافتاً الى أنّ العشيرة بأكملها تحت سقف الدولة والجيش اللبناني. أما عن التراخيص، فيقول جعفر انّ بعض الأسلحة التي يمتلكونها مرخّصة، خاتماً حديثه بالقول: هناك عشائر غيرنا تمتلك السلاح الا اننا "نحنا وكم عشيرة بس مبينين لان ما عنا شي مخبّا".


الليلكي


كلام الوجيه العشائري تناقضه تصرّفات عائلية أخرى كادت ان تودي بحياة كثيرين ممّن لا علاقة لهم بالاشكال، الحديث هنا عمّا حصل في محلّة الليلكي في الضاحية الجنوبية لبيروت، قضايا قديمة عالقة بين عائلتي زعيتر وحجولا: مناكفات من الطرفين ورغبة بالثأر، تُرجِمَت على ارض الواقع معركة بكامل عديدها وعتادها: مطاردات ورصاص وقذائف، قبل أن يحسم الجيش اللبناني الأمر ويعيد الهدوء الى الحي الشعبي، بعد أن روِّعَت سكينته على امتداد نحو ثلاثة أيام.


ووسط كلّ هذه المعمعة، يقول البعض ان العائلتين تحكمهما مبادئ الأخوّة وما حصل مجرد اشكال عبر ومضى.


نزار زعيتر، أحد وجهاء عائلة آل زعيتر – احد طرفي النزاع – يقول انّ ما حصل أعطي له حجم اعلامي أكثر من حجمه الذي يستحقّه، اطلاق النار كان بالهواء وان أحداً لم يُصَب بأذى. الخلافات بين العائلتين قديمة الا انّ السائد بينهما مشاعر الأخوّة. ويضيف أنه منذ اندلاع الاشكال بادر "أهل الخير" الى الوساطات للحل، وبالفعل استجاب الطرفان وهدأت الأحوال.


فادي بلّوط، أحبّ أن يتحدّث بدوره عمّا شاهده في ذلك اليوم، قائلاً انّ الانفلات الأمني هو السبب في تفشّي تلك الظاهرة المتنقّلة بين المناطق. وأضاف: كان الوضع هادئاً، وفجأة، دوّى الرصاص حتى انّ عائلات عديدة اضطرّت الى مغادرة الحي لحماية افرادها.

 

السابق
بيت فيروز يقاوم العواصف…
التالي
لقاء جمع عون ونصرالله