تمارين الحرب الاهلية في لبنان

يعيش اللبنانيون على وقع أنباء الحرب التي لم تقع بعد والتي يمكن أن تقع في أية لحظة. ليست هناك جهة لبنانية بإمكانها أن تؤكد أن الوضع سيكون دائما تحت السيطرة. الدولة اللبنانية نفسها يمكن أن تقف مكتوفة الأيدي إذا ما ذهب صراع الطوائف إلى نقطة اللاعودة.

أكثرية اللبنانيين تخشى الحرب، من غير أن تكون متأكدة من قدرتها على منع وقوعها. في مواجهة أي خلاف بين طرفين يضع اللبنانيون أيديهم على قلوبهم. إلا أنهم يتكهنون أن هناك أطرافا لبنانية لا تزال تمارس لعبة الحرب الأهلية.

مَن عاش فصول الحرب الأهلية السابقة يدرك جيدا أن الفرقاء اللبنانيين جميعهم كانوا قد خرجوا من تلك الحرب خاسرين. بل أنها أدت إلى خروج عدد من أولئك الفرقاء وبشكل نهائي من اللعبة السياسية. وقد لا يُحسب النسيج الاجتماعي المهلهل والقائم على العزلات التي كان بعضها إجباريا من ضمن تلك الخسائر. غير أن الأثمان الفادحة الأخرى التي دفعها لبنان من جراء وقوع تلك الحرب لا تزال أشباحها تخيم عليه، وبالأخص في المجال الاقتصادي، حيث نسبة التضخم العالية قد أدت إلى اتساع المسافة بين الأثرياء والفقراء، في بلد يعيش الجزء الأكبر من مواطنيه خارج حدوده.

بهذا المعنى فإن لبنان لا يزال وبعد أكثر من عشرين سنة على نهاية تلك الحرب محكوما بدفع تكاليف تلك الحرب. وهو ما ينعكس سلبا على شؤون الحياة العامة، حيث لا يزال جزء كبير من البنية التحتية مدمرا، إضافة إلى وجود مشكلات معقدة في مجالات التعليم والصحة والرعاية الاجتماعية، ناهيك عن المديونية العالية.

غير أن نهاية تلك الحرب لم تكن فاتحة لطي صفحتها بشكل نهائي. وهنا بالضبط تكمن خيبة اللبنانيين. لم تنتج تلك النهاية نظاما سياسيا جديدا، يقوم على مبدأ المواطنة الذي يُشرع الأبواب أمام قيام دولة حديثة، لا تخضع للتجاذبات المذهبية والطائفية. ما حدث أن اللبنانيين عادوا من خلال اتفاق الطائف إلى المعادلة نفسها، التي كانت واحدا من الأسباب الرئيسية لوقوع الحرب.

لقد أعاد اللبنانيون بمعونة الآخرين إنتاج نظامهم السياسي القديم القائم على مبدأ المحاصصة الطائفية. وهو نظام لا يقتصر على التركيبة السياسية للحكومات بل إنه يخترق الدولة كلها.

وهكذا يكون اللبنانيون بعد كل ما شهدوه من أهوال قد عادوا إلى نقطة الصفر. دولة فاشلة يحكمها زعماء الطوائف، الذين يعيد وجود بعضهم إلى الذاكرة اللبنانية مشهد أمراء الحرب المدججين بالسلاح والأموال.

من حق اللبنانيين، أن لا يثقوا بسياسييهم. بل إنهم كانوا ينظرون إلى عجز الدولة عن حمايتهم من خطر الانزلاق مرة أخرى إلى الحرب الأهلية انعكاسا لفكر أولئك الساسة، وهو فكر طائفي وإقطاعي لا يرى في لبنان إلا مجموعة من الإمارات والإقطاعيات التي يتقاسمها مستثمرون محليون بتمويل عربي وأجنبي.

ما حدث في صيدا قبل أيام قلب جزءا من تلك المعادلة، وغير وجهة نظر اللبنانيين في أداء دولتهم ووجودها ودورها في اللحظات المصيرية.

كانت هناك فتنة، أراد مدبروها أن يزجوا بلبنان في حرب أهلية، على خلفية الحرب في سوريا، غير أن رد الجيش اللبناني الذي جاء سريعا قد شكل صدمة لا لمدبري تلك الفتنة وحدهم، بل وحتى للسياسيين ممن كانوا يُضمرون نوعا من التعاطف مع الحركات الاستعراضية التي سبقت تفجر الأوضاع.

لقد تصدى الجيش بحزم ومن غير تردد للفتنة وكان قرار قيادته صارما: وأد تلك الفتنة في مكانها، من غير التفات إلى أي ابتزاز سياسي. وهو الإجراء الوطني الشفاف الذي أحرج البعض وجعله يصطف إلى جانب القوى التي تشيد بالخطوة التي قام بها الجيش من أجل حماية المواطنين وصيانة هيبة الدولة.

لقد خسر الجيش عددا من أفراده الذين سقطوا شهداء في المعارك غير أنه ربح شعبا سيكون عليه أن ينظر في المستقبل بسخرية إلى أية عصابة يروق لها أن تقوم بتمارين حرب أهلية لن تقع.

السابق
تمويل تسليح المعارضة السورية مرفوض أميركياً
التالي
مؤتمر حول الصومال في أيلول المقبل