انتهت اللعبة.. انتهت الكذبة

انتهت اللعبة. اكتمل نصاب التمديد وخرج الجميع رابحاً… إلا من كان يظن خيراً، في أهل النظام وحراسه الساهرين على استمراره واستمرارهم فيه.

غير أن اللعبة كانت مكشوفة منذ البداية. وكانت الفصول المتتالية، تقتضي تغيير العنوان والإبقاء على النص، بوتيرة متدفقة من الاتهامات والاغتيالات والمنازلات… من دون أن تسقط «نقطة تراب» من مداميك النظام.

الفصل الأول، كان جدّياً في بداياته. انكبّت وزارة الداخلية على تدبيج مشروع انتخابي على قاعدة النسبية، التي اهتدى إليها رئيس الجمهورية، ودافع عنها مع الوزير شربل، إلى جانب «كورال» وزاري مختص بالتسرِّي. بعد جهد «حميد»، أقرّ مجلس الوزراء، بالأكثرية، مشروع قانون، باحتفالية مناسبة. ولما انتهى إلى مجلس النواب، نام المشروع ثم مات، ولم يسأل عنه أحد.

كذبة الفصل الأول، باشتراك الأكثرية والأقلية، ثم الأقلية والأكثرية (حيث تغيّرت الأحوال بسبب تبدّل الأقوال)، انتهت إلى كذبة، بكلام كبير، ومواقف باهظة: لبنان دائرة انتخابية واحدة، على قاعدة النسبية، مقابل لبنان بدوائر «مناسبة» على قاعدة الأكثرية. لم يستقر أحد على هذا المشروع ولا على ذاك. كلاهما ذرٌّ للرماد.

كذبة الفصل الثاني، أفضت إلى أن يكون الفصل الثالث، أطول الفصول على الإطلاق، حيث احتدم النقاش وتعالت الصيحات، حول القانون الملقب بـ«الأرثوذكسي». فتحت الحلبة على خطاب طائفي «محقّ»، ضد خطاب «وطني» كاذب. وانبرى كتاب ومحللون ومعلقون وحقوقيون، لتقديم الحجج الداعمة لمشروع «المناصفة التامة والنقية»، والحجج المضادة، التي تدعم كذبة «الوحدة الوطنية» و«الشراكة» وتحذر من الانقسام الطائفي والمذهبي، كأن لبنان جنيف الشرق وسويد «الأوسط».

نزل الجميع إلى الملعب: رئيس الجمهورية ضد الأرثوذكسي. الجنرال عون، في المقابل، قائد أركان معركة بشعار: «لا صوت يعلو فوق صوت المناصفة» بالتمام والكمال، و«نريد نوابنا المسيحيين بأصوات مسيحية صافية، لا لبس فيها»، و«المسيحيون تعرّضوا لعملية سطو من القوى الطائفية الأخرى».. وتبين للوهلة الأولى أن الجنرال مستعد لإعلان «حرب تحرير» المسيحيين من قبضة السنة و«سلبطة» الدروز و… المونة الشيعية.

واكتمل نصاب الأرثوذكسي في بكركي. المشهد كان سوريالياً، غير قابل للتصديق أبداً. فالكل يخبئ الخناجر. فريقان يتذاكيان ويناوران ويستعدان للطعن في الظهر.

من كان يصدق ذلك المشهد في بكركي، مصاب بلوثة في عقله. مستحيل أن يكون هؤلاء «الأعداء» على اتفاق ضد حلفائهم، و«اخوتهم» من غير ملّتهم في المواقع المقررة سلفاً، والمدفوعة الثمن. معركة طواحين الهواء هذه، كانت تخفي معركة سرية، يحاول كل فريق إيقاع الآخر في «الخيانة»، للطائفة المصونة. على المقلب الآخر من لبنان الأرثوذكسي، ضُخّت الحياة في شرايين «مشروع الستين». علماً أن هذا المشروع، كان كميناً آخر، أشد سوءاً من «حفرة» الأرثوذكسي.

في تلك الأثناء، بل قبلها بقليل، أدرك الأذكياء المشكّكون، أن المشروع السري لدى كل الفرقاء، هو التمديد لهذا المجلس بكل ما فيه ومَن فيه ومَن معه ومَن عليه ومَن ضده. أكثرية النواب، برغم انقساماتهم الحادة والمبرمة والنهائية والمكرسة والمشعلة للحرائق، كانت مع مشروع التمديد. لكن الإفصاح عن ذلك، كان يحتاج إلى شجاعة فائقة، بل متهورة. لقد جبن الجميع، يومذاك، فلم يقدم أحد على الإفصاح فاستمرت اللعبة.

اكتمل نصاب اللعبة في فصلها الجديد، عبر كذبة لا حدود لتقصير حبالها. حبل الكذب اللبناني، أطول من خط الاستواء، يبدأ ولا ينتهي ويدور. الكذب، شيء من كينونة الكيان والنظام. الكذب، يتمسك بالشكل ويتقن فن تقديمه على المضمون. وفي الشكل، استضاف مجلس النواب نوابه. التأم النقاش متحالفاً مع القفازات. كل فريق يبحث عن نقاط الخلاف، تحت عنوان البحث عن الاتفاق: القانون الأرثوذكسي حظي بانتصار ساقط، بأكثرية لا تجرؤ على نصرته في ساعات الفرز، حيث يكون اللعب جدياً جداً. أهل الأرثوذكسي مع «الستين» ومع «المختلط» وأخيراً، مع «الستين» الملعون، الذي تسبب بسرقة نواب المسيحيين.

بعدها، تألفت لجان. ابتُدِعَت صيغ جاءت من أكمام الحواة. صِيغت مبادرات، أُرسلت مسودات، جرت توافقات، قدّمت تنازلات(!) وذبحت مشاريع تجمع بين «الأكثري والنسبي»، وجرى الاحتفال بالانتصار، ليوم واحد، لا أكثر… إلى أن وصل لبنان إلى الحافة. وبات الخيار بين التمديد و«الستين» والفراغ. فكان ان اختار الجميع أحب الخيارات على الإطلاق.

الذين «قاتلوا» التمديد، كانوا أول المدافعين عن مشروعه. لا قانون أو مشروع استطاع أن يجمع تيار «المستقبل» و«القوات» و«الكتائب» و«الأرمن» و«المردة» و«أمل» و«حزب الله»، إلا قانون التمديد… أما للجنرال، فحكاية أخرى.

ولم يكن ذلك غريباً، لأن كل المعارك التي خيضت قبل بلوغ التمديد، كانت من أجل قتل كل فكرة أو مشروع، يمكن أن تؤدي إلى الاتفاق على قانون، يسمح بإجراء العملية الانتخابية.

حاشية: من الأسباب الموجبة للتمديد، الحالة الأمنية.

سؤال: مَن المسؤول عن تردي الحالية الأمنية؟

جواب: هم أنفسهم الواردة صفاتهم أعلاه.

انتهت اللعبة. لبنان مستمر في مسيرته «المظفرة» من سيئ إلى أسوأ. ولا يبقى أمامنا، سوى أن نلقي ضوءاً على أساس المشكلة وجذرها.

هذا هو لبنان.

نظامه السياسي، أقوى من زعمائه وطوائفه ومذاهبه. هو نظام، متخلف، متصدع، مقفل، ولكنه الأقوى من كل الأنظمة في المنطقة العربية.

النظام السياسي في لبنان، هو رب الكيان ورب الطوائف. والذين يظنون أن هناك امكانية للتغيير، لا شك في أنهم حالمون، والذين يؤكدون إمكانية الإصلاح، يكذبون.

لبنان هذا… هو الذي ينتج زعماءه الذين يشبهونه، وليس مسموحاً لأحد، أن يشق عصا الطاعة والولاء له.

نظامه هذا.. زعماؤه خدم له. ولا قدرة للخادم إلا أن يخدم سيده. والسيد الدائم، هو الطائفية.

مبروك للبنانيين مجلسهم القديم… ولو انتخبوا، لقلنا: مبروك لكم، مجلسكم القديم كذلك.

السابق
خائفة ومخيفة
التالي
مِهلة أشهر قبل حل السلطة الوطنية