وادي التيم العرقوب جذور عميقة ممتدة من الجولان الى لبنان

امتازت وادي التيم العرقوب بتنوع طوائفها وموقعها المتاخم لفلسطين والجولان، حيث تعتبر هذه المنطقة حالة مميزة اجتماعياً وثقافياً وتراثياً وحضارياً. والآثار الموجودة فيها التي ما زالت صامدة هي خير شاهد على دورها التاريخي والحضاري.
في هذا التحقيق نستطلع آراء شريحة من أهالي هذه المنطقة حول العلاقات الاجتماعية والمشاركة في الأفراح والأتراح وفي قضايا أخرى مختلفة.
الدكتور عبود فضول ابن بلدة راشيا الفخار حدثنا قائلا: اليوم نعيش في عصر مختلف، الذي أصبح الطمع والرشوة والاختلاس والفساد مالئ الوطن وشاغل الناس في مجمل أحاديثهم. أما في الماضي كان الناس في قرى وبلدات وادي التيم والعرقوب يعيشون عهد إخلاص أخوي ثابت وروابط لا انفصام لها بين بعضهم البعض، والذي يخرج عن هذه القيم والعادات ليس له شفاعة عند الناس في القرية. ونحن عشنا وترعرعنا في منطقة فطرنا على محبة بعضنا البعض، فطرنا على التعاون والتعاضد والمشاركة.
وعن العلاقات بين المسيحيين والمسلمين قال فضول: الطائفية ليس لها مكان في عقول أبناء راشيا الفخار وأبناء وادي التيم والعرقوب. فأبناء هذه المنطقة معبر للمحبة والتعاون ونموذج المصاهرة بين المسيحيين والمسلمين والموحدين الدروز. وقد اكتسبت خاصيتها من الأجداد تاريخياً. ويضيف عبود: أذكر أن عدداً كبيراً من الزيجات قامت بين راشيا الفخار وكفرشوبا، كذلك بين راشيا وكفرحمام والهبارية. وقال: تأخذني الذاكرة إلى حديث والدي يوسف عبود وأنا في التاسعة من العمر حيث أخبرني بأن عائلتنا تنتسب إلى عائلة متري، حيث أن جدنا سليمان متري تزوج مسلمة من بلدة كفرشوبا عام 1890 وأنجب ولدين. أحدهما داوود متري الذي أصبح رئيس أساقفة الطائفة الإنجيلية في دمشق.

الدكتور محمد ماضي مدير عام وزارة الثقافة ومدير عام بالوكالة لوزارة السياحة سابقاً فحدثنا عن طبيعة العلاقات الاجتماعية في مرحلة الخمسينيات في هذه المنطقة. فقال: في بداية الخمسينيات كان وجهاء شبعا من مختلف العائلات يشاركون أبناء القرى من طائفة الموحدين المسلمين الدروز والمسيحيين والشيعة في كل المناسبات.
واضاف: أبناء شبعا أفاضوا بعلاقاتهم مع حاصبيا وشويا والخيام وكفرشوبا ومع مختلف البلدات الجولانية، بدءاً من مجدل شمس وصولاً إلى جباتا الخشب والعديد من البلدات الجولانية. وكانوا من المساهمين في حل المشاكل والخلافات التي كانت تفتعل أو تحدث بين رعاة الماعز والبقر. وفي عقد الخمسينيات من القرن الماضي حين لم تكن الطرقات معبدة. لم يكن أمام الناس في العديد من قرى وبلدات العرقوب، إلا الركوب على ظهور الحمير والبغال أو ظهر الفرس. لكن رغم القلة والفقر لدى الكثير من العائلات في مجمل هذه البلدات والقرى، كان الكرم والبساطة والصفاء في العلاقات.
ويقول الأستاذ حسين حامد عبد العال: إن الاستغناء عن تلك العادات والقيم يعتبر أمراً غير واقعي في كل بيئات وادي التيم والعرقوب، وإن الاستغناء عن تلك العادات والقيم لا ينطبق إلا على البعض الذين انسلخوا عن القرية كلياً واستقرو في المدن. وتلك العادات القائمة على المشاركة في الأرض والمشاركة في الأفراح والأتراح وقد مارسها الأجداد عبر كل العصور. وهذه العادات كانت تزيد من الإنتاج.

شهاب
وفي لقائنا مع المحامي الأمير طارق شهاب قال: بعد رحيل الأتراك تميزت علاقات العائلة الشهابية مع سكان منطقة حاصبيا والعرقوب، بعد معاناة طويلة لأبناء هذه المنطقة من القهر الاجتماعي والإقصاء والتهميش السياسي والاقتصادي في المرحلة العثمانية، حيث كان لهذه العلاقات مع سكان المنطقة أثرها الطيب في النفوس لتحقيق العدالة الاجتماعية وتوزيع الحقوق في الأراضي. ويضيف شهاب: بعد الاستقلال واعتلاء الأمير خالد شهاب رئاسة مجلس الوزراء فتح الباب عريضاً على العلاقات فكان لنا في كل ما بلدة وقرية في هذه المنطقة أحبة ومتعاونون.

الدكتور فارس يوسف ابن بلدة الماري قال: أجاهر بانتمائي ليس لحاصبيا فحسب، بل لمنطقة الجنوب بشكل عام، لأني أفتخر بمكونات مجتمعها وناسها وتاريخها وميزاتها، لأنها أثبتت ولا تزال بالفعل، ما يصح أن تقول عنها إنها مثالية وعريقة.
وأضاف يوسف: إن مكونات المجتمع الحاصباني هي: أولاً: الوطنية: فحاصبيا – وعندما أقول حاصبيا أعنى جميع بلدات قضاء حاصبيا – هي دائماً مع مشروع الدولة. ثانياً: المناقبية الاجتماعية: أي التعلق بالفضائل والقيم الاجتماعية والإنسانية (الأمانة، الصدقية في التعامل، الغيرة، النخوة، الكرم وحسن الضيافة، وحسن الجوار والمحافظة على ممتلكات وكرامات الغير، الخ…). ثالثاً: التفاعل الاجتماعي (لا أقول التعايش الطائفي)، فهذا الخليط الاجتماعي بين أبناء هذا المجتمع بقي متماسكاً – متحاباً ولم يتأثر بالتناحر الطائفي إبان الحرب اللبنانية الداخلية البغيضة. رابعاً: الحرية الفكرية واحترام الرأي الآخر: والدليل هو وجود العديد من الأحزاب السياسية فيه. فهذه الأحزاب في حالة تنافس سياسي ديمقراطي شريف، لا تناحر سياسي خلافي.
وتابع يوسف: إن سوق الخان هو مجمع اقتصادي في وسط المنطقة، إن لسوق الخان – السوق الشعبي – أهمية كبرى، فهو إلى جانب كونه معرضاً اقتصادياً لمنتجات المزارعين والتجار، يحرك الدورة الاقتصادية في المنطقة، فهو "ملتقى" اجتماعي – إنساني لجميع أبناء البلدات المجاورة من كل الأطياف والشرائح، حيث يشكل حالة اجتماعية تراثية دائمة لا يجوز التخلي عنها، لأنها تكرّس التفاعل الاجتماعي. وحاصبيا كان لها بصمات على مستوى الوطن والمجتمع، فلقد أعطت هذه المنطقة الكثير من رجالاتها للوطن والمجتمع.
وعن دور رجال الدين إبان تلك الحقبة التاريخية في المنطقة؟ قال يوسف: من الطبيعي ذلك، كان لهم في كل مرة دور إيجابي دائم في تمثيل العلاقات الاجتماعية؛ ومنع التصدع والفتنة الداخلية بين أبناء المنطقة. ودعا يوسف الجيل الجديد في منطقة حاصبيا إلى عدم التخلي عن الأرض وعن الفضائل الاجتماعية السائدة التي ورثناها عن الأجداد، وأن يكون مستقبلهم هو امتداد لماضيهم.
  

السابق
فتفت: نصر الله اتخذ قرارا بجر لبنان الى حرب
التالي
مزارعو الجنوب: لحلول تؤمن مرور دائم وآمن للشاحنات من والى سوريا