أي انتظار لبناني لتطورات حرب سوريا

لبنان السياسي يبدو كأنه يعيش في عالم افتراضي برغم الأحاديث المكررة يومياً عن الواقع الصعب. فهو يهرب من معالجة مشاكله الداخلية التي في يده، ويندفع في تكبير مشاكله الخارجية تاركاً معالجتها على الآخرين وتطورات الأوضاع في المنطقة. وهو يواجه البؤس الاقتصادي والاجتماعي بالبؤس السياسي والبأس المذهبي، كأن الخطابات الجميلة تغطي محنة البلد، والخطابات النارية ليست وصفة لزيادة الورطة.
وقمة البؤس أن نكون أسرى خيارات ضيقة في تأليف الحكومة: إما حكومة منسجمة، لكنها لا تستطيع أن تحكم في مواجهة الاعتراضات عليها. وإما حكومة جامعة تستطيع أن تحكم، لكنها معطلة من داخلها. وليس أخطر من الدوران حول الخيارات الضيقة سوى العجز حتى تحقيق واحد منها. ولا أهم من أن يتمسك الرئيس المكلف تمام سلام بتصوره لحكومة مصلحة وطنية سوى أن تكون هناك رؤية عميقة مشتركة للمصلحة الوطنية. لكن سياسة العصبيات تجعل للمصلحة الوطنية أكثر من طبعة. والجمع بين هذه الطبعات لن يقود الى كتاب المصلحة الوطنية، ولا الى القراءة الواحدة. أما توسيع الخيارات، فإن التركيبة السياسية تفضل الأزمة عليه، ولو قاد استمرار الأزمة الى الفراغ.

ذلك أن مشاكلنا، على تعددها، مربوطة بمشكلة أكبر هي الرهانات على حرب سوريا وانتظار ما تنتهي اليه. وهي رهانات على صراع أكبر حتى من المشاركين فيه، وبالطبع من الذين ينتظرون نهايته. لا بل ان الكبار ليسوا واثقين من التحكم بالنهاية، وسط تعدد السيناريوهات بين ما هو جغرافي وما هو استراتيجي وما هو خيالي وما هو واقعي. فالحل السياسي الذي يفضله الروس والأميركان، وهو الخيار الأسلم لسوريا ولبنان وبقية دول الجوار، يصعب فرضه على النظام والمعارضين ويبقى مربوطاً بتطورات الخيار العسكري. والبديل الذي يحذرون منه له مقدمات على الأرض.
والسؤال، ما دمنا محكومين بانتظار التطورات في سوريا، هو: كيف ننتظر؟ هل نترك لبنان واقفاً على قارعة الطريق تحت العواصف أم نحاول تدعيم جدران البيت؟ هل نبقى بلا حكومة ولا انتخابات ولا حد أدنى من ادارة شؤون البلد والناس أم نقدم على تنازلات متبادلة لتأليف حكومة واتفاق على قانون انتخاب وتجديد السلطة التشريعية؟
الجواب الواقعي والسليم معروف. وكل ما يحتاجه هو قليل من الحكمة بدل كثير من حسابات التحكم التي تهدد بأزمة حكم. لكن سياسة العصبيات تجعل الرهان على الحكمة مهمة صعبة. فهل تدفعنا مخاطر العجز الى معجزة في اللحظة الأخيرة؟ وهل كل ما لدينا هو الاتكال على ما يسمى القرار الدولي المانع لتفجير لبنان؟

السابق
معركة الثلث الضامن: إبريق الزيت يمتلئ!
التالي
السفير: 8 آذار: حكومة الامر الواقع ستفجر أزمة