الأسد الايراني والشرع الروسي

البلد- الجمعة 10 ايار 2013
علي الامين

الجزء الكبير من خطاب الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله امس كانت وظيفته رد الاعتبار المعنوي الذي فقده النظام السوري بعد الضربة المهينة التي تلقاها من العدوان الاسرائيلي على دمشق يوم الاحد، وعجز هذا النظام عن الرد. واقتضى الخطاب، الموجه في الدرجة الاولى والاخيرة الى جمهوره، التهوين من شأن ما حققه العدوان من خسائر. فهو أكد أن الخسائر لم تكن اكثر من اربعة قتلى، نافيا صحة ما تناقلته وسائل الاعلام عن سقوط 300 قتيل، ومتحاشيا الحديث عن الاهداف التي طالتها الغارات الاسرائيلية التي استمرت لاربع ساعات، معتبرا ان ذلك من شأن القيادة السورية.
"افشلت سورية اهداف العدوان الاسرائيلي"، قال السيد نصر الله. وانطلاقا من تعريفه للنصر اكد السيد نصرالله ان النظام حققه. اذ اعتبر ان القيادة السورية ردت على العدوان بتأكيدها دعم المقاومة وانها ستعطي سلاحا نوعيا لا تمتلكه المقاومة في لبنان، كما انه اعلن فتح جبهة الجولان. لكن السيد نصرالله، رغم تقديم تعريفه الخاص للانتصار، بهدف اعلان انتصار القيادة السورية على العدوان الاسرائيلي، حرص على القول ان اي سلاح نوعي مما لا تمتلكه المقاومة اللبنانية لم يصل اليها، إذ قال: "نحن مستعدون لتقبل هذا السلاح ونحن جديرون به".
اللافت هنا ان السيد نصر الله، بعدما كان "النصر الإلهيّ" في تموز 2006 هو "الصمود 33 يوما" بعد خطاب "لو كنت أدري"، خفض مستوى النصر إلى "الإستمرار في مدّ المقاومة بالسلاح". أي ما دون الصمود، بل قل "التنفّس" فقط، وليس الحياة بالمعنى الحقيقي.
على ان وظيفة اساسية في خطاب السيد نصرالله كانت تلميع صورة الرئيس السوري بشار الاسد. وذلك عبر رسالة ايرانية من خلاله والى من يعنيهم الامر في واشنطن وموسكو مفادها ان الاسد هو جزء من اي حل سياسي، خصوصا بعد كلام وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ان شرط بقاء الاسد ليس اولوية. تلميع صورة الاسد بعد كل هذه الدماء والدمار في سورية مهمة مستحيلة يخوضها السيد نصرالله، عبر اظهاره بصورة قومية ووطنية، وعلى انه داعم للمقاومة "انتصر على العدوان الاسرائيلي باسقاط اهدافه". تلميع يأتي في لحظة اللقاء الروسي-الاميركي، اي في لحظة الاستحقاقات الاساسية، التي ستفرض كشف حدود المصالح المشتركة والمتباينة بين ايران وروسيا في سورية.
فمن الثابت ان علاقة الخصم المشترك بين طهران وموسكو ليست علاقة ايديولوجية ولا دبلوماسية مشتركة. والرهان الروسي في سورية ليس شخص الاسد بل النظام والعلاقات التقليدية والتاريخية التي تمأسست على امتداد عقود طويلة، وهو ما اقر به الائتلاف السوري المعارض وابدى استعدادا للاعتراف به والتعامل معه. بينما ايران دخلت الى سورية من الباب المذهبي، ورسخت نفوذها مع البنية العلوية، وشكل الرئيس بشار الاسد مدخل هذا النفوذ الذي بدا اليوم ان الاسد وحده، بما يمثل طائفيا وفي دائرة القرار، الضمانة لايران في سورية. وهو ما لم يعطه الأب الراحل، رغم العلاقة الاستراتيجية التي اقامها مع طهران ضمن حدود رفض تجاوزها.
فالماكينة الايرانية بخلاف الماكينة الروسية، عملت في مناطق نفوذها (العراق، لبنان، سورية) على تضخيم الخصوصيات لتمييزها عن محيطها وبالتالي تأمين شروط استتباعها، فيما الماكينة الروسية راسخة في البنية المؤسساتية للنظام. واذا ذهبنا اكثر في قراءة معنى المؤتمر الدولي ودلالته بناء على مؤتمر جنيف والبيان الرئاسي الصادر عن مجلس الامن في اذار 2012، نجد أن جوهره قيام حكومة انتقالية تمتلك كامل الصلاحيات وتترأسها شخصية مقبولة من الجميع. وايا تكن هذه الصيغة في حال تم تطبيقها، فهي بدء اعلان نهاية الاسد سياسيا، وربما التضحية بالشخص لصالح جزء من النظام.
اما الشخصية التي تراهن روسيا على ان تؤدي دورا محوريا في المرحلة الانتقالية فهي نائب الرئيس فاروق الشرع، الذي يحظى صمته وانكفاؤه وتنصله من ارتكابات النظام بحماية ورعاية روسيتين. حماية، وظيفتها بدأت تتمظهر في مرحلة وضع الخيارات الجدية على بساط البحث. فروسيا تدفع بخيار الشرع وايران تتمسك بأسدها. ايران وجهت من خلال السيد نصرالله رسالة مزدوجة لمن تناساها في موسكو وواشنطن: نحن هنا. و"نحن" تعني "الأسد أولا".

السابق
المقداد: لحكومة على أساس النسب في مجلس النواب
التالي
آخر الحروب الايرانية