رئيس نقابة عمال ومستخدمي منشآت النفط في الزهراني مُهاب البزري: همّنا العمّال

يستفزّنا اليوم واقع نقابةٍ، يتّصف ربّما كمعظم النقابات بالتجميد والغرق في مستنقع التسييس والمُحاصصة المناطقية، لنفهم أكثر حيثيّات نشاطاتها، أعمالها وأهدافها، ونمعن النّظر بالمُشكلات المانعة للتطور والتّقدّم. هي نقابة عمّال ومُستخدمي منشآت النفط في الزّهراني، التي تأسست عام 1964، على يد العديد من العمّال الناشطين أمثال خالد الأتب ومحي الدين الأتب وقاسم سهيل.
ويُحدّثنا رئيسها، النّقيب "مُهاب البزري"، في لقاءٍ مُطوّل ومُشوّق معه، عن أحوال المنشآت والنّقابة.يبدأ بتوطئةٍ حول حال المنشآت النفطية مذ أن بُنيَت، وتطوّرها مع الوقت، وما آلت إليه هذه الحال في وقتنا هذا، ليدخل بعدها في سيرورة العمل النقابي، مُشكلاته، تحدّياته، إنجازاته وتطلّعاته وتفاعله مع المحيط السّياسي الإجتماعي، ونصيبه من من ثقافة المحاصصة (على مُختلف أنواعها)، وتراجع فعاليّة العمل المطلبي ووزنه، إن في أوساط الدّولة أو الرّأي العام.
• بدايةً أستاذ مُهاب، حدّثنا عن الصّورة العامة لمُنشآت الزّهراني بدءاً من تأسيسها إلى اليوم…
تأسست مصفاة النفط في العام 1956، على أثر تقديم الدولة اللبنانية للأرض التي بنيَت عليها المًنشآت لتستثمرها الشّركة الأميركية "ميدريكو" لـ 99 سنة.
هذه الأخيرة التي تكفّلت بإقامة وبناء وتجهيز المُنشآت، ووظّفت العمّال بموجب عقد عمل جماعي يتجدد كل سنتين، تتعدّل فيه الشّروط بين الطرفين وفق تطور مفاهيم وموجبات الحقوق المتبادلة.
خلال الإجتياح الإسرائيلي للبنان، تعرّضت المنشآت لإعتداءاتٍ متواصلة قضت على 90% من قدرتها على التكرير، وبات إنتاجها متدنٍ إلى حدّ انعدامه أحياناً. وتراكمت الضّرائب والدّيون على كاهل الشّركاء "الأميركيين"، ما حملهم على التذرّع بمسألة رفض الدّولة اللبنانيّة السّماح لهم بتجهيز وحدة هدرجة، ترفع نسبة البنزين في حصيلة التكرير، كانوا قد استوردوها، ليتخلوا عن المصفاة للدولة مقابل تلك الضرائب المتراكمة، وينسحبوا.
تمّ إنجاز الإتّفاق معهم وباتت هذه المنشآت مرفقاً عاماً بإدارة الدولة اللبنانية، وكان هذا التخلي أو الإنتقال بالإدارة عام 1986 ، في عهد الوزير أسعد رزق.
وكان لمرور الزمن دوره في تآكل هذه المنشآت بالصّدأ، وصارت مجرّد هياكل حديديّة يقتصر دورها على تخزين النفط وتوزيعه.

• بعد إنتقال الإدارة من القطاع الخاص إلى القطاع العام، ما كانت آثار ذلك على العقد الجماعي للعمّال، هل باتوا خاضعين الآن للقانون الموظفين أو المرسوم 112/59 كما جميع العاملين في القطاع العام؟
لا، بل تمّ الإبقاء على عقد العمل الجماعي بين الإدارة والعمّال، بدلاً من خضوعهم للمرسوم الإشتراعي 112/59، والملحوظ هو انخفاض لا بل تدهورعدد العمال في المنشآت من حوالي 540 عاملاً في عهد الإدارة الأميركية، – مع ما تستتبعه هذه الشريحة الواسعة في التوظيف في استقطاب شريحة أوسع في الأعمال الخدماتية (تنظيف، …).
وصل هذا العدد اليوم خلال ثلاثة عقودٍ من الزّمن إلى حوالي 56 عاملاً فقط لا غير!
90% من التدهور، 90% من الشغور المُحيّر المستمر.
• والأسباب؟
رهن البحث والتداول.
العامل الأساسي في هذا الإنخفاض، يتمثّل بالإستقالات المثيرة للريبة التي جرت بعد انتقال الإدارة، ويُحكى عن مبالغ طائلة دُفعت للعمّال مقابل هذه الإستقالة، (لأسبابٍ غير مُبرّرة)، ويُحكى أن الشركة الأجنبية هي التي دفعت هذه المبالغ.
بدأ العدد بالتناقص دون تعويض الشغور، وعلى مدى العقود الزّمنية، أُحيل أيضاً الأعداد على التقاعد، وأيضاً دون إيجاد البدلاء.
• لماذا لم يُفتح باب التوظيف كل تلك السنوات؟
كما لا يخفى على أحدٍ، إن التوظيف في هذا القطاع كما في جميع القطاعات العامة، يخضع لمعايير المُحاصصة الحزبية والطائفية، وما من مصلحة لأي فريق المطالبة بفتح باب توظيفٍ طالما أن الغالبية منهم سيكونون ضمن فريقٍ مسيطر مناطقياً في محيط تلك المنشآت، فما سينالونه من "حصة" سيكون ضئيلاً.
وفي غياب الهيكلية التنظيمية للتسلسل الإداري، العصيّة إلى الآن منذ سنين، على الصدور للضبط المُحدّد للوظائف، تصبح فكرة ملئ الشغور أصعب إذ ليس من تحديدٍ واضح لما هيّة الوظائف المطلوبة.
تجدر الإشارة أنه منذ حوالي الستّة أشهر تمّ تعيين ثمانية عمّال، لكن خارج إطار عقد العمل الجماعي، بل ضمن عقدٍ خاص يحكم علاقتهم بالإدارة!
• ماذا عن النّقابة؟ ما دورها في ملاحقة هذه المسائل إن بخصوص الهيكلية أو بخصوص الشغور أو بخصوص التوظيف خارج إطار العقد الجماعي؟
إن النقابة تعمل بجهد على هذه القضايا وأكثر، رغم حاجز الضّغوط السياسية المفروضة عليها. فيما يتعلّق بالهيكلية، هذه مهمّة المدير التسلسلي، وقد عملنا مع المهندس محمد بلوط على إنجاز مشروع هيكلية ولو لم يخلُ من بعض التّحفّظات، وأُحيل إلى الوزير الطّاقة وكل الطاقات، المهندس جبران باسيل، لكن استقالة الحكومة، جعلت إقرار الهيكلية خارج إطار صلاحيات وزير تصريف الأعمال، ما أوقف كل شيئ وأعادنا إلى نقطة البداية.
فيما يتعلّق بالشغور، فإننا لا نوفّر جُهداً في كل فرصةٍ ومناسبة، لإسماع المعنيين أننا لا بدّ من فتح باب التوظيف والعمل على ملئ الشغور، ونكون دوماً أمام وعودٍ رهن المماطلة والتسويف.
ومسألة العمال الجدد وعدم ضمّهم للعقد الجماعي فإننا نبحث اليوم في إشكالية هذا الموضوع قانوناً وسنتقدّم لمن نجده معنياً بالمتابعات اللازمة.

* ما هي أهم إنجازات عملكم النقابي؟
1 – الإنجاز الأكبر هو الحفاظ على عقد العمل الجماعي التي تسعى الدولة دوماً لنسفه، فهو الضامن الأكبر لحقوق العاملين مع كل ما يشوبه من إشكاليّات نسعى إلى حلّها قدر المستطاع في كل فترة تجديد.
2 – تأتي بعدها التغطية الصّحية في منتصف التسعينات، حيث يُغطي الصندوق الوطني للضّمان الإجتماعي 75% من نفقات الطّبابة، و90% من نفقات الإستشفاء، وتغطّي شركة تأمين الفروقات الباقية، إضافةً إلى تغطية ثمن الأدوية (سواء كانت مضمونة أو غير مضمونة). إذاً تغطية صحيّة شاملة خلال مدّة الخدمة.
3 – تأخير سن التّقاعد سنة واحدة من 64 إلى 65 سنة.
4 – إنشاء نادي للعمال وعائلاتهم في العام 2012 ، وكانت كل التجهيزات على نفقة النقابة، إلّا أنّ هذه الأخيرة فرضت على الإدارة مساعدة سنوية بمبلغٍ وقدره مليوني ليرة.
• ما إستراتيجية العمل التي تتّبعونها في النّقابة؟
بدايةً، لا بدّ من لفت النظّر أن النقابة عضو في إتّحاد نقابات العمّال والمُستخدمين في صيدا والجنوب، لكن في حالة مقاطعة له، فلا نتبنى مقرراته ولا نحضر إجتماعاته ولا نلتزم بأيّ من نشاطاته.
نعتبر أن العديد من النّقابات فيه أنشئت بصورةٍ وهمية في منتصف التسعينات بدعمٍ من وزير العمل آنذاك عبدالله الامين، بهدف السيطرة والإطباق على الإتحاد من خلال امتلاك أكثرية نقابية فيه.
فيما يتعلّق بالعلاقات السياسية، فنسعى لعلاقاتٍ جيّدة مع جميع الأطراف حتى لا تكون الخلافات السياسية عائقاً أمام الوصول للأهداف.
  

السابق
زهرمان: فريق 8 آذار يفسد حياة اللبنانيين بتعطيله التأليف
التالي
صالحي: ايران على استعداد للمساعدة في حل مشكلة البحرين