كيف نحافظ على السيطرة في ثلاث جبهات؟

وجد الجيش الاسرائيلي نفسه أمس بين ثلاث جبهات في غزة ويهودا والسامرة والشمال بينها جميعا قاسم مشترك واحد هو الرغبة في الامتناع عن فقدان السيطرة والانجرار الى تصعيد عسكري. في غزة بادرت اسرائيل الى العملية التي اغتيل فيها ناشط الجهاد العالمي الذي كان مشاركا في اطلاق القذائف الصاروخية على ايلات قبل اسبوعين. ولم يكن الاغتيال انتقاما بل منعا لعمليات في المستقبل على يد من لا يسمع توجيهات حماس.
كانت التقديرات التي سبقت التصفية هي أنه يتوقع رد باطلاق قذائف صاروخية وقذائف رجم على اسرائيل، لكن مع كون الرد ‘موزونا’ ايضا لعدم رغبة حماس في الانجرار الى قتال الآن. وعلى ذلك تقرر أن الجدوى (منع العمليات في المستقبل) تفوق المخاطرة (الخوف من تصعيد عسكري فورا)، وذلك في الأساس على خلفية معرفة انه سيصعب عليهم في حماس ايضا ان يحزنوا لفقدان عدو عقائدي داخلي يهدد سلطتهم في القطاع. وبرغم ذلك ولمنح الطرف الآخر ‘سُكرة’ لاكتفائه برد معتدل ـ أعلن وزير الدفاع بأنه سيزن فتح معابر السلع الى القطاع التي كانت مغلقة في الايام الاخيرة اذا تم حفظ الهدوء النسبي.
وكان الذي عمل في الضفة هو المخرب الذي نفذ العملية في مفترق تفوح. وكانت عملية قاتلة هي الاولى في يهودا والسامرة منذ سنة ونصف تقريبا، وعملت قوات الامن أمس في جهد سار في اتجاهين على احباط عمليات اخرى يقوم بها ‘مُقلدون’ فلسطينيون، وعلى صد عمليات انتقام من متطرفين يهود. إننا نشهد أصلا منذ مدة طويلة زيادة تدريجية لكنها ثابتة على مقدار العنف من الجانب الفلسطيني وعلى عمليات ‘شارة الثمن’ من الجانب اليهودي، وبرغم ان عملية أمس كانت تصعيدا آخر، فان الرأي السائد في اسرائيل هو أن الأحداث ‘تحت السيطرة’ ولا تنتظرنا الآن موجة عنف لا تتم السيطرة عليها.
أتم الجيش الاسرائيلي أمس مع الجبهتين الفلسطينيتين، تدريب تجنيد لفرق في الشمال غير عادي في سعته فقد تم استدعاء رجال الاحتياط للوصول الى وحداتهم. ولم يجرِ منذ سنين في الجيش تدريب بهذه السعة، ولا يحسن ان نستنتج من اجرائه الآن ان الحرب قريبة بل ان نستنتج نضج الجيش ليمتحن نفسه استعدادا لاوضاع مركبة. في معركة كهذه في المستقبل في الجبهة الشمالية في الأساس، سيحتاج الجيش الاسرائيلي الى ان يجند سريعا جدا جنودا تحت النار، عن قصد الى إشراكهم في وقت قصير بالقتال نفسه.
والتقدير الآن هو انه لا نتوقع معركة كهذه قريبا، لكن في حين زاد احتمال نشوب عنف نتاج أحداث غير متوقعة بسبب العصبية الزائدة حول السلاح الكيميائي في سورية والخوف الزائد من نقل سلاح متقدم الى حزب الله، فان احتمال اشتعال الوضع يقلق الجيش الاسرائيلي بالتأكيد، وهو سبب آخر لتعجيل التدريبات والاستعدادات.
إن هذا الوضع المعقد في الجبهات الثلاث (وعلى حدود مصر ايضا بقدر كبير) يميز التحديات التي تنتظر الجيش الاسرائيلي في الفترة القريبة، فثمة من جهة الحاجة الى العمل والردع، ومن الجهة الاخرى الرغبة في الامتناع عن التصعيد. وكان يُخيل إلينا، وهذا صحيح الى أمس، ان الجبهات الثلاث تحت السيطرة؛ إن التوالي المتزايد للأحداث وتوزعها الجغرافي لا تبشر بالخير في المستقبل بيقين.

السابق
القبور في ملاعب كرة القدم
التالي
مرونة الخط الاحمر