بري مطمئن لجنبلاط

ند طرح اسم تمام سلام لتولي رئاسة الحكومة، كانت معظم قوى الأكثرية السابقة تميل الى رفضه كونه مصنفاً في خانة «فريق 14آذار»، ولو مع مساحيق تجميل، لكن الرئيس نبيه بري أدى دوراً مركزياً في الدفع نحو إعادة صياغة موقف «تحالف 8 آذار» و«التيار الوطني الحر»، في اتجاه الموافقة على تكليف سلام، منطلقاً من الاعتبارات الآتية:

-إن معارضة تكليف سلام ستوحي ان هذا التحالف لا يستطيع تقبل حتى المعتدلين في الطائفة السنية، الامر الذي كان سيؤدي الى زيادة الاحتقان الداخلي، وخصوصاً على المستوى السني – الشيعي.

– إن «قوى 14 آذار» لن تكون منزعجة من رفض خصومها لخيار سلام، بل هي تتمناه، لأن من شأن ذلك ان يحررها من أي حسابات، ويتيح لها فرض إيقاعها على الرئيس المكلف، بلا حرج.

– إن المشاركة في تسمية سلام تتيح البقاء داخل اللعبة وليس خارجها، وبالتالي تحسين شروط التفاوض على التأليف، في حين إن الانكفاء يمنح الرئيس المكلف حق التصرف كما يشاء، ويطلق يديه في تشكيل الحكومة التي يراها مناسبة، من دون مراعاة مواقف أو خواطر الفريق الآخر.

وإذ يؤكد بري لـ«السفير» عدم وجود أي فتور في العلاقة مع سلام، يلفت الانتباه الى ان للرجل طريقته في إدارة ملف تشكيل الحكومة، «علماً اننا نعتبر انه من الأفضل توسيع دائرة التشاور كلما اقتضت الضرورة ذلك، لأنه ليس صحيحاً ان هذه الدائرة تُقفل مع انتهاء الاستشارات النيابية التي يجريها عادة الرئيس المكلف في المجلس، وما كان يصح قبل اتفاق الطائف لم يعد يصح بعده».

وأيضاً من حيث الأسلوب والشكل، يرى بري أن الرئيس المكلف يستطيع أن يطلب شخصياً التواصل مع هذا الفريق او ذاك، تبعاً لمقتضيات تأليف الحكومة، «وهذا لا يشكل أي انتقاص من صلاحياته ودوره»، مشيراً الى ان وفد 8 آذار، الذي زار مؤخرا سلام في دارته في المصيطبة، هو الذي بادر الى طلب موعد للقائه، رغبة في التسهيل وتبادل الافكار ووجهات النظر، من دون أحكام مسبقة.

أما في المضمون، فإن بري لا يتردد في رفض فكرة تشكيل حكومة التكنوقراط جملة وتفصيلا، مشدداً على ان مثل هذه الصيغة لم تعد واردة منذ إقرار اتفاق «الطائف». وإذ يتساءل عما يمكن ان تفعله حكومة من هذا النوع في مواجهة الاحداث المتلاحقة على الساحة اللبنانية، يضيف: في الاساس، هل هناك أشخاص تكنوقراط وحياديون بكل معنى الكلمة.. دلوني عليهم؟

ومن باب الإنصاف، يؤكد بري ان سلام مصيب في رفضه توزير أسماء مرشحة الى الانتخابات النيابية لأنه شخصياً ليس مرشحاً، ولا بد من الحفاظ على وحدة المعيار في هذا المجال، «ولكن ما ليس من حقه ان يشترط ان يكون الوزراء من غير السياسيين، فيما هو سياسي بامتياز».

وحين يخوض بري في تصوره للحكومة الأنسب في هذه المرحلة، يحرص على أن يكون دقيقاً في الكلام، قائلا: لا نريد ان نغرق في بحر التسميات.. حكومة وحدة وطنية.. وفاق وطني.. لمّ الشمل.. أو حكومة المصلحة الوطينة، كما أطلق عليها الرئيس المكلف، ولا نريد ان نتحدث عن الثلث المعطل او ما شابه، المهم ان يحصل توافق على حكومة سياسية جامعة، حاضنة للجميع ومُحتضَنة منهم، وإذا لم تكن هناك من نصوص دستورية تغطي هذا الامر لوجب في هذه الظروف ان نوجدها، فكيف عندما يجتمع النص مع ضرورات الواقع، كما هي الحال الآن.

ولئن كان بعض أفرقاء 8 آذار يعتبرون انه لا يمكن الركون الى ثبات موقف النائب وليد جنبلاط، الذي سبق له ان رفض منح الثقة لأي حكومة لا تضم كل الاطراف، إلا ان بري يؤكد انه مطمئن، من ناحيته، الى موقف جنبلاط «الذي كنا قد اتفقنا معه على ضرورة تشكيل حكومة توافقية، وهو لا يدير ظهره لنبيه بري كما انني لا أدير ظهري له، وحتى جلسة تعليق مهل «الستين»، كنت حريصاً على وضعه في أجوائها، واتصلت به شارحاً له حيثياتها».

ويتابع بري مبتسماً: لقد ذهب وليد جنبلاط الى بلفاست (ايرلندا) للإطلاع على تجربة المصالحة بين الكاثوليك والبروتستانت، وأعتقد انه سيعود الى لبنان متأثراً جداً بها!

والانشغال باستحقاقي تأليف الحكومة ووضع قانون الانتخاب، لم يمنع بري من الاهتمام بتداعيات الأزمة السورية على لبنان، لا سيما لجهة تزايد أعداد النازحين السوريين.

وفي حين ينقل اليه تباعاً بعض المقربين منه ان الجنوب أصبح يكتظ بالنازحين وأن رعايتهم باتت ترتب أعباءً ثقيلة من الناحية الخدماتية، يشدد بري على وجوب الاستمرار في احتضان هؤلاء وتقديم كل مساعدة متاحة لهم، لأنه لا يجوز ان يُتركوا لمصيرهم.

لكن ما يستغربه بري، على هذا الصعيد، هو التقاعس العربي عن المساهمة في مساعدة لبنان على تحمل مسؤولياته حيال النازحين السوريين، متسائلا: أين الأموال والمساعدات التي وعد بها مؤتمر الكويت؟

ويكشف بري أن مسؤولاً في منظمة دولية معنية بمتابعة أوضاع النازحين في لبنان، قال له: ما ننفقه حتى الآن حصلنا عليه من الغرب، أما العرب فلم يصلنا منهم قرش واحد بعد!

السابق
الأسد والأيام الأخيرة لنظام صدام!
التالي
التأليف المؤجل: مفتاحا سليمان وجنبلاط